لا يَأتيه، لكن في الآخِرَةِ مجُرَّدُ ما يَقعُ في قَلبِ الإنسانِ أنَّه يَشتَهي كذا يحضُرُ، كذلك أيضًا ما يَطلُبون يَحضُرُ أيضًا، ويَأتيهم أيضًا ما لا يَخطُرُ على بالهِم كما قال تَعالى:{لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ}[ق: ٣٥] يَعني يَأتيك منَ النَّعيمِ ما لم تَطلُبْه وما لم تَشتَهِه نفسُك وما لم يخطُرْ على بالِك.
يَقولُ المُفسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [{نُزُلًا}] رِزقًا مُهَيَّأً منصوبٌ بجُعِلَ مُقَدَّرًا]؛ أي: جُعِل نُزلًا [{مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} أي اللهِ] عَزَّ وَجَلَّ؛ لأنَّهم لم يَصِلوا إلى الجَنَّةِ إلَّا بمغفِرتِه ورَحمتِه.
يعني على تَقديرِ المفسِّر: أنَّ {نُزُلًا} مفعولٌ ثانٍ لجُعِلَ المَحذوفِ، أي: جُعِل {نُزُلًا} ومَفعولهُا الأوَّلُ هو نَائبُ الفاعِلِ؛ لأنَّ نائبَ الفاعِلِ يَنوبُ عن المَفعولِ به. يَقولُ:{نُزُلًا}، أي: جُعِلَ {نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} وهو اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وذَكَرَ المغفرةَ والرَّحمةَ؛ لأنَّهم بمَغفِرَةِ اللهِ ورحمتِهِ وصَلوا إلى هذا، فبِمَغفِرتِه للذُّنوبِ نقُّوا منها وبرحمَةِ اللهِ تَعالى صاروا أهلًا لدُخولِ الجَنَّةِ.
من فوائدِ الآياتِ الكريمَةِ:
الْفَائِدَة الأُولَى: أنَّ مجُرَّدَ العَقيدَةِ لا يُغني شيئًا حتَّى يَكونَ معه عَملٌ؛ لقولِه تَعالى:{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا}، وما يَقولُه كَثيرٌ منَ النَّاسِ: نحن على العَقيدَةِ هذا حَقٌّ ولا شكَّ، ويَمدَحونَ عليه لكن لا بُدَّ مِن أن يُقالَ: نحن على العَقيدَةِ والعَملِ الصَّالحِ، إذ لا بُدَّ منَ العملِ.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: الحثُّ على الاستقامَةِ، والاستقامَةُ على دينِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أن يَثبُتَ عليه، ويَستَقيمَ عليه ولا يَتغيَّرُ.