للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لكنَّ هذا التَّفسيرَ فيه قُصورٌ؛ لِأنَّ حَميدًا هُنا بمَعْنى فاعلٍ وبمَعْنى مَفعولٍ، فهو مَحمودٌ وهو أَيضًا حامِدٌ، أَليس اللهُ تَعالى يُثني كَثيرًا عَلَى المُؤمنينَ، وعَلَى الرُّسلِ، وعَلَى مَنْ شاءَ مِنْ عِبادِه؟ فهذا حَمْدٌ، فَوَصْفُ هَؤلاءِ المَخلوقينَ الَّذين أثنى اللهُ عليهم هو حَمدُهم في الواقِعِ.

وفي هذه الآيةِ الكَريمةِ تَهديدٌ لِلمُكذِّبين بِالقُرآنِ في قَولِه تَعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ} وحُذِفَ الخبرُ لِيَذهبَ الذِّهْنُ في تَقديرِه كُلَّ مَذهبٍ.

مِن فَوائدِ الآيتين الكريمتين:

الْفَائِدَة الأُولَى: أنَّ القُرآنَ ذِكرٌ سَمَّاه اللهُ ذِكرًا؛ لمِا ذَكَرنا في التَّفسيرِ.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أنَّ هؤلاءِ كَذَّبوا بِالذِّكرِ بَعد أنْ جاءَهم وتَحقَّقوه وعَرَفوه، ومَعلومٌ أنَّ المُكذِّبَ بالشَّيءِ بَعدَ أنْ يَتحققَّ لَديهِ أَشدُّ إِثمًا ووَبالًا ممَّن كَذَّب في أمرٍ مُشتبَهٍ عندَهُ، يُؤخذُ هذا مِن قولِهِ: {لَمَّا جَاءَهُمْ}.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أنَّ هذا القُرآنَ عَزيزٌ غالٍ، لا أحدَ يَنالُه بِسوءٍ إِلَّا فَضَحه اللهُ، ولَا أحدَ يَقومُ أَمامَه إِلَّا كان مَهزومًا مَغلوبًا، ووَصَفَ اللهُ تَعالى القُرآنَ بأنَّه عَزيزٌ، وبأنَّه مجَيدٌ وبِأنَّه كَريمٌ وبأَوصافٍ مُتعدِّدةٍ، مِمَّا يَدُلُّ عَلى عَظمةِ هَذا القُرآنِ.

الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أنَّ مَن تمَسَّكَ بالقُرآنِ فَلَه العِزَّةُ، وَجْهُه أَنَّه إِذا كَان القُرآنُ عَزيزًا، فلا بُدَّ أنْ يَنالَ العِزَّةَ مَن تمَسَّكَ بِه، وإلَّا لكانَ القُراَنُ غَيرَ عَزيزٍ، ويَدُلُّ لهذا قَولُ اللهِ تَعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [المنافقون: ٨].

الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أنَّ القُرآنَ الكَريمَ حَقّ مُنتفٍ عنهُ الباطلُ مِن كلِّ وجهٍ، لقولِهِ:

<<  <   >  >>