للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مِنْ فَوائِدِ الآيَتين الكَرِيمتين:

الْفَائِدَة الأُولَى: بَيانُ عِظَمِ استِكْبارِ هَؤلاء المُكذِّبين لنَبِيِّهم، أعْنِي: عادًا؛ لِقَولِه: {فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً}.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: بَيانُ طُغيانِ الإنْسانِ وأنَّ الإنْسانَ لا حَدَّ لِطُغيانِه؛ لأنَّ وُصُولَه إلَى هَذِه الدَّرَجةِ {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} يَدُلُّ على الطُّغيانِ العَظِيمِ والكِبْرِياءِ.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: حِكْمَةُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِأخْذِهم بِالعَذابِ؛ حَيْثُ أُخِذوا بِما هُو ألْطَفُ الأشْياءِ وَهُو الرِّيحُ، الرِّيحُ اللَّطِيفةُ الَّتي يَكونُ بِها إنْعاشُ البَدَنِ وتَقْوِيَتُه ونَشاطُه، هِي الَّتي أُهْلَك بِها عادًا؛ لِأنَّهم قالُوا: {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً}، وانْظُر إلَى فِرعَونَ حِينَ قال: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (٥١) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ} [الزُّخرُف: ٥١ - ٥٢]، عُذِّبَ بِالماءِ الَّذي كان بالأمْسِ يَفْتَخِرُ به.

الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: بَلاغَةُ القُرآنِ في الإقْناعِ وإقامَةِ الحُجَّةِ؛ لقَوْلِه: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً}، وجْهُ ذلِك أنَّه قال: {الَّذِي خَلَقَهُمْ}.

الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: جَوازُ عَقْدِ المُفاضَلَةِ بَيْن الخالِقِ والمَخْلوقِ؛ لِقَولِه: {أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} مَع أنَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أشَدُّ مِن كُلِّ أحَدٍ، لَكِن المَقامَ مَقامُ محُاجَّةٍ، ومَقامُ المُحاجَّةِ لا بَأس أنْ تُذْكرَ فِيه المُفاضَلةُ بيْن المُفَضَّلِ والمُفَضَّلِ عَلَيه، ونَظِيرُ هَذا -بلْ أبْلَغ مِنْه- قَولُ اللهِ تَعالَى: {آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} [النمل: ٥٩]، لَيْس في أصْنامِهم خَيرٌ، لَكِنَّ هَذا مِن بابِ المُحاجَّةِ، وأنَّ الإنْسانَ يُحاجُّ الخَصْمَ بِما يُقِرُّ بِه.

يَتفَرَّعُ على هذا مِن الفوائدِ: خطأُ مَن يُفسِّرُ قَولَ اللهِ تَعالى: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: ١٢٤] {وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الإسراء: ٥٥]

<<  <   >  >>