للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عليه؟ لا، لَكن ذَكَرَه على سَبيلِ المُبالغةِ.

يَقولُ المفسِّرُ - رَحِمَهُ اللهُ -: [{وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} أي: بِذي ظُلمٍ]. وقولُه: {لِلْعَبِيدِ} أي: العبيدِ كونًا لا شَرعًا، يَعني: لَنْ يَظلمَ أَحدًا حتَّى الكافرَ لا يَظلمُه اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ -.

فإنْ قال قائلٌ: إِنَّ اللهَ تَعالى - وحاشاه - يَظلمُ الكافرَ، فَالكافرُ مُتِّعَ في الدُّنيا ولنَقُلْ: أَلْفَ سَنَةٍ على كُفرهِ وسيَخْلدُ في النَّارِ إِلى الأَبَدِ آلافَ ومَلايينَ السِّنينَ مع أَنَّه لَمْ يَكفُرْ إِلَّا أَلفَ سَنَةٍ، فَالعُقوبةُ زائدةٌ عَلى العملِ، وَهَذا ظُلمٌ!

قُلنا: كَلَّا وَاللهِ إِنَّ اللهَ تَعالى أَعذَرَ إِلى هَذا الرَّجلِ ببَعثِ الرُّسلِ وَإِنزالِ الكُتبِ وأَعطاهُ عَقلًا وَقالَ: إِنْ فعلتَ كَذا عذَّبتُك أَبد الآبِدينَ فَأقدمَ باختيارِهِ، فَإِذا فَعَلَ ما يُوجبُ هَذه العُقوبةَ بِاختيارِه ثُمَّ عوقبَ بِهَا لا يُقالُ: إِنَّه مَظلومٌ، إلَّا إِذا كان جاهلًا بِالعُقوبةِ لَقُلنا: نَعَمِ، الواجبُ أَلَّا يُعاقبَ إِلَّا بِمِقدارِ ذَنبهِ كَمًّا وكَيفًا، لكنَّا نَقولُ: إِنَّ هذا الرجُلَ قَد عَلِمَ وأُعذِرَ إِليه بِإرسالِ الرُّسلِ وبَيانِ ما يُعذَّبُ به، ومَع ذَلك أصرَّ كأنَّه يَقولُ: أَنا لا أُبالي إِذا عُذِّبتُ أَبَدَ الآبِدينَ، وحِينَئذٍ يَكونُ هو الَّذي جَنَى عَلى نَفسِه وفَعَلَ ما يوجبُ هذا العذابَ المؤبَّدَ: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}.

مِنْ فَوائِدِ الآيةِ الكريمَةِ:

الْفَائِدَة الأُولَى: الحثُّ عَلى العَملِ الصَّالحِ لِقولِه: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ}؛ لِأنَّك مَتَى عَلِمتَ أَنَّ عَمَلَك لنَفسِك فسوفَ تَجتهدُ في هذا.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ لا إِخلاصَ فيه فهو ضررٌ على صاحبِه ولَيس لَه، لِأنَّنا فَسَّرنا العَمَلَ الصَّالحَ بأنَّه ما جَمَعَ بَين شَرطينِ؛ الإِخلاصِ والمُتابَعةِ.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أنَّ مَنْ عَمِلَ عملًا بِدْعيًّا فعَمَلُه عليه لا له؛ لأنَّه لا يَدخُلُ في

<<  <   >  >>