للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم يَقولُ: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ} يَعني: بَعدَ أَنْ نُنبَئِّهَم ويُقِرُّوا بِذلكَ نُذيقُهم {مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ}، يَقولُ المفسِّرُ رَحِمَهُ اللهُ: [شَديدٍ واللَّامُ في الفِعلَينِ لَامُ القَسَم] وَالفِعلانِ هما: {فَلَنُنَبِّئَنَّ} {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ}.

في هَذه الآيَةِ وَالَّتي قَبلَها بَيانُ حالِ الإنسانِ الكافرِ وَهو كُفرُه بِنِعمةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ واعْتزازُه بِنَفسِه؛ لِقَولِه: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي}؛ فَإنَ هَذا يَدُلُّ علي كُفرِه الشَّديدِ، وَاعتزازِه بِنفسِه وَإِعجابِه بِها.

مِن فَوائِدِ الآيةِ الكريمة:

الْفَائِدَة الأُولَى: أَنَّ الله تَعالى يَرحَم الكافرَ لِقَولِه: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً}، ولَكنِ اعْلَمْ أنَّ رَحمَةَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى نَوعانِ: رَحْمةٌ خاصَّةٌ، ورَحمة عامَّةٌ.

فما به قوامُ البَدنِ مِنَ الرَّحمةِ العامَّةِ؛ لأنَّه يَشملُ المُؤمنَ وَالكافرَ وَالبَرَّ والفاجِرَ والإنسانَ وَالحيوانَ، هَذه رَحمةٌ عامَّةٌ، وَما بِهِ قَوامُ الدِّينِ مِنَ الرَّحمَةِ الخاصَّةِ، وَهَذا يَختصُّ بِالمُؤمنينَ.

وَالفرقُ بَينهما: أَنَّ الرَّحمةَ العامَّةَ إِنَّما هي غذاءُ البدنِ فَقط وتَزولُ بِزَوالِه،

والرَّحمةُ الخاصَّةُ غذاءُ الرُّوحِ تَبقَي بِبقاءِ الرُّوحِ في الدُّنيا وَالآخِرةِ، وَالرُّوحُ مُنذُ خَلَقَهَا اللهُ لا تَفني كَالوِلْدانِ في الجَنَّةِ وَالحورِ العِينِ في الجنَّة، خُلِقت لِلبَقاءِ، بِخِلافِ الأجسادِ، قالَ اللهُ تَعالَى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (٢٦)} [الرحمن: ٢٦].

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: بَيانُ فَضلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلي الكافرِ؛ لِكَونِ الرَّحمةِ الَّتي أَصابتِ الكافرَ مِنْ عِندِ اللهِ؛ لِقَولِه: {مِنَّا}.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: إِعجابُ الكافرِ بِنفسِه حَيثُ يُضيفُ هَذه الرَّحمةَ الَّتي هي مِنَ اللهِ

<<  <   >  >>