وقولُه: [{رَبُّ الْعَالَمِينَ} جمع عالَم وهُو ما سِوى اللهِ] عَزَّ وَجَلَّ فكلُّ ما سِوى اللهِ فهُو عالَم، وسمِّي عالمًا، لأنَّه عَلَم على خالِقِه جَلَّ وَعَلَا، فإنَّ كلَّ شيْء فِيه آيَةٌ تدلُّ على وَحْدانيَّة الله وقُدرَتِه وحِكمَتِه وعِزَّتِه، وغيرِ ذلِك.
قال رَحِمَهُ اللَّهُ:[وجمَعَ لاختِلافِ أنْواعِه] يَعنِي: لمْ يَقُلْ: العالَم، بلِ أَتَى بالعالمَين [بالياءِ والنُّونِ تغْلِيبًا لِلعُقلاءِ]، فإنْ قال قائِلٌ: هلِ العُقَلاءُ أكثَرُ أو غيرُ العُقلاءِ؟
فالجَوابُ: إنْ قِيلَ: إنَّ العُقَلاءَ أكثَر، فيُحتاجُ إلَى دلِيلٍ، ورُبَّما يَكونُ دلِيلُه أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ:"أطَّتِ السَّماءُ وحُقَّ لَها أنْ تَئِطَّ، ما مِن مَوضِعِ أربَع أصابِعَ مِنها إلَّا وفِيه مَلَكٌ قائِمٌ للهِ أو راكعٌ أو ساجِدٌ"(١)، والسَّماءُ واسِعةٌ عظِيمةٌ، كلّ سماءٍ أوسَعُ ممَّا تحْتَها، فمَن يُحصي هؤُلاء! هَذا شيْءٌ عظِيم، والبَيْت المَعمُور في السَّماء السَّابِعةِ يدْخُلُه كلُّ يومٍ منَ المَلائِكةِ سبعُون ألْف مَلكٍ لا يعُودُون إلَيه، فمَن يُحصِي الأَيَّامَ، كُلُّ يَومٍ يُضرَبُ في سَبعِين ألفِ مَلَكٍ! فإذا رأَينا هَذا قُلْنا: العُقلاءُ أكثَرُ.
وإنْ نظَرْنا إلى ما في الأرْضِ قُلنا: غيرُ العُقَلاءِ أكثر، فعلى هَذا التَّقدِيرِ - أنَّ المرادَ مثلًا من في الأرضِ - نقولُ: إنه غلَّبَ العُقلاءَ لشرَفِهم، والحاصِلُ: أنَّ تغلِيبَ العُقلاءِ إنْ كانَ العُقلاءُ أكثَرُ فغُلِّبوا لِكَثرَتِهم، وإنْ قُلنا: غيرُ العُقلاءِ أكثرُ، فغُلِّبَ العُقلاءُ، يُغلَّبُ مَن لَيْس بمُمَيِّزٍ لِشرَفِهم.
مِن فوائِدِ الآيةِ الكَريمَةِ:
الْفَائِدَة الأُولَى: في هَذا دَلِيلٌ على وُجُوبِ إعْلانِ المُؤمِنِ ما علَيه الكُفَّارُ مِنَ الكُفرِ باللهِ؛ لِقولِه:{قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ}.
(١) أخرجه الإمام أحمد (٥/ ١٧٣)، والترمذي: كتاب الزهد، باب في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا"، رقم (٢٣١٢)، من حديث أبي ذر الغفاري - رضي الله عنه -.