للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَيقولُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ} هُم مَعَ كَونِهم مُستغرِقينَ اللَّيلَ والنَّهارَ في تَسبيحِ اللهِ {لَا يَسْأَمُونَ}. يَقولُ المُفسِّرُ رَحِمَهُ اللهُ: [لا يَمَلُّون] وكذلك لا يَتعَبونَ؛ لأنَّ المَلَلَ يَكونُ مِنَ الضَّجَرِ والتَّعَبِ وذُلِّ النَّفسِ أَمامَ ما يَتحمَّلُه الإنسانُ، هؤلاء المَلائِكةُ - عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ - {لَا يَسْأَمُونَ}.

من فوائِدِ الآيتين الكَريمتَينِ:

الْفَائِدَة الأُولَى: أنَّ للهِ آياتٍ كثيرةً لا تَنحَصِرُ بآيتينِ أو ثَلاثٍ نُدركُ ذلك من قَولِه: {وَمِنْ آيَاتِهِ} وما أَكْثَرَها في القُرآنِ الكَريمِ: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ} [الروم: ٢٠] {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} [الروم: ٢١] {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ} [الشورى: ٢٩] وهي كَثيرَةٌ.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أنَّ للهِ تَعالى آياتٍ محَسوسةً تُعينُ على الآياتِ المَعقولَةِ، وهذا من رَحمَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أنَّ اللهَ أرى عِبادَه الآياتِ المَحسوسَةَ ليَستَعينوا بها على الآياتِ المَعقولَةِ.

فالآياتُ المَعقولَةُ كُلٌّ يَعلمُ أنَّ كُلَّ حادثٍ لا بدَّ له من محُدِثٍ هذه آيَةٌ عَقليَّةٌ لا يُنكِرُها أحدٌ؛ ولهذا قال تَعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور: ٣٥] الجَوابُ: لا هذا ولا هذا. هم لم يُخلَقوا مِن غيرِ شَيءٍ بل لا بدَّ لهم مِن خالقٍ ولا خَلَقوا أنفُسَهم، إذن لَهم خالِقٌ وهو اللهُ عَزَّ وَجَلَّ؛ ولهذا لمَّا سَمِعَ جُبيرُ بنُ مُطعَمٍ - رضي الله عنه - هذه الآيةَ وكان من أَسرى بَدرٍ، وسَمِعَ النَبيَّ - صلَّى اللهُ عليه وعلى آله وسلَّم - يَقرَأُ بالطُّورِ يَقولُ: كاد قَلبي يَطيرُ (١)، يَعني: عَرفْتُ أنَي على خَطأٍ وأنَ المُشركينَ كُلَّهم يُخطِئونَ.


(١) أخرجه البخاري: كتاب تفسير القرآن، باب سورة والطور، رقم (٤٨٥٤).

<<  <   >  >>