وهَكذا جَميعُ الأُممِ بِالنِّسبةِ لِما جاءت بِه الرُّسلُ مِنهمُ المُصدِّقُ وَمِنهمُ المُكذِّبُ، كَذلِكَ أيضًا جَميعُ ما جاءَتْ بِه الرُّسُلُ يَختلِفُ النَّاسُ فيه بَين مُؤمنٍ وكافرٍ، وهَذا تَسليةٌ لِلرَّسولِ - صلَّى اللهُ عليه وَعَلى آله وَسلَّم -.
قال اللهُ تَعالى: {وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} [فصلت: ٤٥]، {وَلَوْلَا} هَذه حَرْفُ شَرطٍ، وَهي كَما قال النُّحاةُ: حَرفُ وُجودٍ لِعَدمٍ، {وَلَوْلَا كَلِمَةٌ} هَذا مَوجودٌ {لَقُضِيَ} هَذا مَعدومٌ.
يَقولُ المفسِّرُ - رَحِمَهُ اللهُ -: [{كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ} بتَأخيرِ الحِسابِ وَالجَزاءِ لِلْخلائِقِ إِلَى يَومِ القِيامةِ]، فَإنَّ الجَزاءَ الكامِلَ إِنَّما يَكونُ يَومَ القِيامةِ، أَمَّا في الدُّنيا فَهو جزاءٌ لَا شكَّ يُعاقَبُ فيه المُجرمونَ ويُفلحُ فيه المؤمنونَ، لَكنَّه لَيس الجَزاءَ الكاملَ مِن كلِّ وَجهٍ.
يَقولُ المفسِّرُ - رَحِمَهُ اللهُ -: [{لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} في الدُّنيا فيما اختَلفوا فيه]، وَالمُرادُ بِذلك القَضاءُ التَّامُّ فَلا يُنافي هَذا ما وَقعَ لِآلِ فِرعونَ مِنَ الغرقِ وَالهَلاكِ لمَّا كَذَّبوا موسَى - صلى الله عليه وسلم -.
يَقولُ المفسِّرُ - رَحِمَهُ اللهُ -[{وَإِنَّهُمْ} أَي: المُكذِّبينَ بِه {لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ} مُوقعٌ في الرِّيبةِ].
من فوائِدِ الآيَةِ الكَريمَةِ:
الْفَائِدَة الأُولَى: تَأكِيدُ الكَلامِ إِذا دَعَتِ الحَاجةُ إِلَيه، إمَّا لِأَهمِّيَّتِه، وإمَّا لِلشَّكِّ فيه، وإمَّا لإِنكارِه، قَالَ عُلماءُ البَلاغةِ: والمُخاطَبُ لَهُ ثَلاثُ حالاتٍ:
الحالُ الأُولَى: حَالُ ابتداءٍ وَهي أَلَّا يَكونَ عِندَ المُخاطَبِ عِلمٌ ولا تَردُّدٌ ولا إِنكارٌ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute