للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هَذا تُلقى إِليهِ الجُملةُ غَيرَ مُؤكَّدةٍ؛ لأنَّه لا حاجةَ لِلتَّوكيدِ، مِثلَ أَنْ يُقالَ: قَدِمَ فُلانٌ اليومَ لِإِنسانٍ لَمْ يَكُنْ في قَلبِه شيءٌ مِن قُدومِه إِثباتًا وَلا نَفيًا، وَتُسمَّى هَذِه الجُملةُ ابتِدائيَّةً.

الحالُ الثَّانيةُ: أَنْ يَكونَ المُخاطَبُ مُتردِّدًا في الأمرِ شاكًّا فيه لَكنَّه لَا يُنكِرُه، فَهَذا يَحتاجُ إِلى تَوكيدٍ لكنَّه لَيس بواجبٍ، مِثل أَنْ تُخاطِبَ رَجُلًا في أَمرٍ يَستَبعدُه لكنَّه لَا يُنكرُه، فهُنا يَحسنُ أَنْ تُؤكِّدَ لَه الكَلامَ من أَجلِ أنْ يَزولَ عَنه الشَّكُّ وَالتَّردُّدُ.

الحالُ الثَّالثةُ: أَنْ يَكونَ مُنكِرًا مُكذِّبًا، فَهذا يَتعيَّنُ تَوكيدُ الخبرِ لَه؛ لِأنَّ ذَلكَ أَبلغُ في إِقامَةِ الحُجَّةِ عَليهِ وَإِقْناعِه.

إِذن: أَحوالُ المُخاطَبِ ثَلاثةٌ: ابتداءٌ، وتَردُّدٌ، وإِنكارٌ، ولِكلِّ حالٍ حُكمُها فِيما يَتعلَّقُ بِالتَّوكيدِ.

فَإِنْ قال قائلٌ: يَرِدُ عَلى كَلامِكم هَذا قَولُه تَعالَى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} [المؤمنون: ١٥ - ١٦] وَالمُرادُ الجُملةُ الأُولى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ} فَلا أحدَ يُنكرُ الموتَ حتَّى يُؤكَّدَ لَه، أَجابوا عَنْ ذَلكَ بأنَّ تَكذيبَهم وإِنكارَهم وَاستِكبارَهم وتَمرُّدهم يَفعلونَ ذَلِكَ فِعلَ المُنكِرِ فخوطِبوا خِطابَ المُنكِرِ، وهَذا لَا شكَّ أنَّه جَوابٌ صَحيحٌ.

وقولُه تَعالَى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} مُؤكَّدٌ بثَلاثِ مُؤكِّداتٍ؛ لِأهمِّيَّةِ المَوضوعِ؛ لِأنَّ المَوضوعَ مُهِمٌّ فَيحتاجُ إِلَى التَّوكيدِ لِتَسليةِ الرَّسولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -.

وإِنْ قال قائلٌ: هَلِ الجُملةُ الخَبريَّةُ تُؤكَّدُ لِلاهتمامِ بِالأَمرِ؟

فَالجوابُ: أَنَّ تَوكيدَ الخَبرِ لِلاهتمامِ بِه وَإِنْ كانَ المُخاطَبُ مُقِرًّا حالَ المُخاطِبِ

<<  <   >  >>