للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولكن اعْلَموا بارَكَ اللهُ فيكم أنَّه لا يُمكِنُ لأحدٍ أن يَضِلَّ إلَّا وهو السَّببُ في ضلالِ نفسِه، لَدينا آيَةٌ من كِتابِ اللهِ حاكِمَةٌ على كُلِّ ذلك، على كُلِّ مَن يَتوهَّمُ أنَّ الضَّلالَ مُقَدَّرٌ من عِندِ اللهِ تَعالَى ابتلاءً وامتحانًا، وإن كان الأَمْرُ كذلك، لكان سَببُ ضَلالِ الإنسانِ هو نَفسُهُ، قال اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف: ٥]، وقال تَعالَى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (١٧٥) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ} [الأعراف: ١٧٥ - ١٧٦]، فماذا نَفعَلُ إذا كان هو الَّذي أَخلَدَ إلى الأَرضِ واتَّبَعَ هَواهُ فماذا نَفعلُ؟

فاعْلَمْ أنَّ كُلَّ شيءٍ مِنَ المَعاصي فأنت سَببُه، وإن شِئتَ فاقْرَأْ قولَ اللهِ تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ} [المائدة: ٤٩] يا لها من مَوعِظَةٍ في هذه الآيَةِ، أنَّك إذا تَوَلَّيت عن أَمْرِ اللهِ فاعْلَمْ أنَّ ذلك مِن ذَنبِك، فاعْلَمْ أنَّ اللهَ إنَّما يُريدُ أن يُصيبَهم ببَعْضِ ذُنوبِهم، فصار الإِعْراضُ عُقوبَةً، وهذا أَمْرٌ قد لا يَتَفَطَّنُ له بَعضُ النَّاسِ، إِعراضُك عَنِ اللهِ وعن دينِ اللهِ هو عُقوبَةٌ منَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لقولِهِ: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ} [المائدة: ٤٩].

من فوائِدِ الآيَةِ الكريمَةِ:

الْفَائِدَة الأُولَى: بَيانُ عَظمَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لقوله: {وَقَيَّضْنَا}، لأنَّ (نا) تُفيدُ العَظَمَةَ.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: الرَّدُّ على المُعتَزِلَةِ الَّذين يَقولون: إنَّ الإنسانَ مُستَقِلٌّ بعَمَلِه، وأنَّه لا عِلاقَةَ للهِ تَعالَى به.

والنَّاسُ في هذا البابِ على ثَلاثَةِ أقسامٍ:

القِسْمُ الأَوَّلُ: مَن قال: إِنَّ الإنسانَ مجُبَرٌ على عَمَلِه وليس له إِرادَةٌ ولا اختيارٌ،

<<  <   >  >>