للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يَصِحُّ أنْ تَكونَ صِفَةً مُشبَّهةً، ويَصِحُّ أنْ تَكونَ صِيغَةَ مُبالَغةٍ، ومَعناها ذُو العِلْمِ، فهُو ذُو العِلمِ، وعِلْمُ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى واسِعٌ؛ قال اللهُ تَعالَى: {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (١٢)} [الطلاق: ١٢]، فعِلْمُه تَعالَى واسِعٌ شامِلٌ لكُلِّ شَيْءٍ، يَعلَمُ ما كان فَلا يَنْساهُ، وَيعلَمُ ما يَكون فَلا يَجْهلُه، وَيعْلم مَا لم يَكُن لو كانَ كيفَ كانَ يكُونُ، يَعنِي لَيس يَعلَمُ أنَّ هَذا الشَّيءَ يَقَعُ فقَطْ، بلْ يَعلَمُ أَنَّه يَقَعُ ومَتَى يَقَعُ وكَيف يَقَعُ وأينَ يَقَعُ، مِن كلِّ جِهَةٍ.

وقَد فصَّل اللهُ تَعالَى دَقائِقَ العِلْمِ في قَولِه تَعالَى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (٥٩)} [الأنعام: ٥٩].

وعِلْمُنا بأنَّه عَلِيمٌ يَستَوجِبُ مِنَ النَّاحِيةِ المَسلَكِيَّةِ بالنِّسبَةِ للْعَبدِ: أَنَّه إذا علِم أنَّ اللهَ بكُلِّ شَيْءٍ علِيم: أنْ يَخافَ اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ - وأنْ يَقومَ بِطاعَتِه وأنْ يَدَعَ مَعصِيَتَه؛ لأنَّه يعْلَمُ أنَّ اللهَ تَعالَى عالِمٌ بِه، حتَّى وإنْ خَفِيتَ على النَّاسِ؛ فإنَّك لَن تَخفَى على اللهِ، بَلْ إنَّ اللهَ يَعلَمُ مِنْ نَفْسِك ما لا تَعْلمُه أنْت، فأَنْت تَعْلَم مِن نَفسِك ما يُمكِنُ أنْ تُحِيطَ به، لكِنَّ اللهَ يَعلَمُ مِن نَفسِك ما لا تُحِيط بِه، فيَعلَم مُستَقبَلَك ومَآلَك وحالَك وأنْت لا تَعلَمُ، وهَذا يُوجِبُ لِلعَبدِ المُؤمِنِ بذلِك: أنْ يَخافَ ربَّه في السِّرِّ والعَلَنِ، حتَّى لَو كُنْت بِحُجرَةٍ مُظلِمةٍ لَيس عِندَك أحَدٌ، وأرَدْتَ أنْ تُغضِبَ اللهَ، فاعلَم أنَّ اللهَ تَعالَى يَراك.

مِن فوائِدِ الآيَةِ الكَريمَةِ:

الْفَائِدَة الأُولَى: أنَّ مُدَّةَ خَلْقِ السَّمواتِ أقلُّ مِن مُدَّةِ خلْقِ الأرْضِ مَع أنَّ السَّمواتِ أعظَمُ، لكِن لمَّا كانَت الأرْضُ مَوضُوعةً لِلأنامِ - كَما قال تَعالَى: {وَالْأَرْضَ

<<  <   >  >>