للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقَولُه تَعالَى: {ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} {ذَلِكَ} المُشارُ إلَيْه ما سَبَق مِن قَولِه: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ} إلى آخره؛ قَولُه: {تَقْدِيرُ} أيْ مُقدَّرٌ {الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}، أو {تَقْدِيرُ} مَصدَرٌ على بابِه، وَيكونُ المُشارُ إلَيْه فِعْلُ اللهِ لهَذا الشَّيْءِ، فعِندَنا الآن كَلِمةُ {تَقْدِيرُ} مَصْدَرٌ، يَجُوزُ أنْ تَكونَ بمَعنَى اسْمِ المَفعُولِ، ويَكونُ المَعنَى: ذلِك مُقدَّرُ العَزِيزِ، ويجوزُ أنْ تَكونَ مَصْدرًا وهُو فِعْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ويَكونُ هَذا أيْضًّا مَعنًى صَحيحًا وكِلاهما مُتلازِمان؛ لِأنَّه إذا كان هَذا الشَّيْءَ مُقدَّرُ اللهِ فَهُو مِن تَقدِيرِه يَعنِي ناتِجٌ عَن تَقدِيرِه.

فقَولُه: {ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} أي: الَّذي قَدَّره {الْعَزِيزِ} عَزَّ وَجَلَّ {الْعَلِيمِ}، و {الْعَزِيزِ} هُنا مُناسَبَتُها، أنَّ المَسْأَلةَ تَحتاجُ إلَى عِزَّةٍ وقُوَّةٍ.

والعِزَّةُ؛ يَقولُ المُفسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [{الْعَزِيزِ} في مُلْكه] يَعنِي الَّذي لَه العِزَّةُ التَّامَّةُ في مُلْكه، وفِيه شَيْء مِن القُصُورِ، فلَم يُبيِّن لنا ما هِي العِزَّةُ، والعِزَّةُ قال العُلَماءُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ: إنَّها تَنْقسِمُ إلَى ثَلاثَةٍ أقْسامٍ: عِزَّةُ القَدْرِ، وعِزَّةُ القَهْرِ، وعِزَّة الِامْتِناعِ؛ ثَلاثَة مَعانٍ.

١ - أمَّا عِزَّةُ القَدْرِ فمَعناها الشَّرفُ، يَعنِي: أَنَّه ذُو قَدْرٍ عَظيمٍ بالِغِ العِظَمِ.

٢ - وعِزّةُ القَهْرِ يَعنِي: أَنَّه قاهِرٌ ولا يُغلَبُ.

٣ - وعِزَّةُ الِامْتِناعِ؛ أيْ يَمتَنِعَ أنْ ينالَه سُوءٌ جَلَّ وَعَلَا بأيّ حالٍ مِن الأحْوالِ.

ولِمُلاحَظةِ هَذا المَعنَى الثَّالِثِ نَقولُ: إنَّه مُشتَقٌّ مِن قَولِه: أرْضٌ عَزازٌ، عَزازٌ يَعنِي: قَوِيَّةٌ صُلْبَةٌ، ونَحْن نُسمِّيها باللُّغَةِ العامِّيَّةِ: "الأرْض عزا"، يَعنِي: صُلْبَةٌ لَيْسَت لَيِّنةً كالرَّمْلِ والرَّوْضِ، ولكِنَّها صُلْبةٌ.

أمَّا {الْعَلِيمِ} فهِي صِفَةٌ مُشَبَّهةٌ، ويجوزُ أنْ تَكونَ مِن بابِ المُبالَغةِ؛ لِأنَّ فَعِيلٌ

<<  <   >  >>