للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقَولُه رَحِمَهُ اللَّهُ: {وَحِفْظًا} مَنْصُوبٌ بفِعلِه المُقدَّرِ؛ أي: حَفِظناها حِفْظًا مِنِ اسْتِراقِ الشَّياطِين السَّمْعَ بالشُّهُبِ ... ] إلَى آخِرِه؛ فقَوْله: {وَحِفْظًا} مَصْدرٌ عامِلُه محَذُوفٌ، والتَّقدِيرُ: حَفِظْناها حِفْظًا؛ ومن أيِّ شَيْءٍ حَفِظْناها؛ قال الله تَبَارَكَ وَتَعَالى: {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (١٦) وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ} [الحجر: ١٦، ١٧]، فَيَكونُ المُرادُ بالحِفْظِ حَفِظُها مِنَ الشَّياطِين؛ لِأنَّ القُرْآنَ يُفسِّرُ بَعضُه بَعضًا.

وأمَّا شَأنُ الشَّياطِين بالنِّسْبةِ للسَّمْعِ فإنَّها تَصْعَدُ فيَرْكَبُ بعضُها بعْضًا، إلَى أنْ تَصِلَ إلَى السَّماءِ، فتَستَمِعُ إلَى أخْبارِ السَّماءِ، وما تَتحدَّثُ به المَلائِكةُ، ثمَّ تنْزِلُ بِه إلَى الأرْضِ، وتُلقِيه إلَى الكُهَّانِ الَّذين لكُلِّ واحِدٌ مِنهُم رُئِيَّ مِن الجِنِّ، والكاهِنُ يأخُذُ هَذا الجبرَ ويُضِيفُ إلَيهِ أخْبارًا أُخرَى، ثمَّ يحدِّثُ النَّاسَ بذلِك؛ ومن المَعلُومِ أنَّ ما سُمِعَ في السَّماءِ لا بُدَّ أنْ يَكونَ، فتكونُ هَذه الكَلِمةُ الواحِدة - التي هي صدق - مَثارًا لإعْجابِ النَّاسِ بالكُهَّانِ والرُّجوعِ إليهم؛ ولهِذا كانُوا بالجاهلِيَّةِ يَتَحاكَمُون إلَى الكُهَّان؛ فهَذه هِي قَضِيَّةُ استِراقِ السَّمْعِ.

ثمَّ إنَّ اللهَ تَعالَى حَفِظ السَّماءَ وقْتَ بَعثَةِ النَّبيِّ -صلَّى اللهُ علَيهِ وعلى آلِهِ وسلَّمَ - وصارَتِ الشَّياطِينُ إذا حاولَت الاستِماعَ أرْسَلَ اللهُ تعالى عليها شهابًا يحرقُها وتهلِكُ.

وهَل بَقِي هَذا الحِفْظُ بعْد موْتِ الرَّسُولِ -صلَّى اللهُ علَيهِ وعلى آلِهِ وسلَّمَ - أو لا؟

الجَوابُ أنْ يُقالَ: اللهُ أعْلَمُ، وَلا نَدرِي، لكِنَّها حُفِظتْ في عَهْدِ النُّبوَّةِ مِنِ اسْتِراقِ السَّمْعِ، أمَّا الآنَ فاللهُ أعْلَمُ فقَدْ يَكونُ ذلِك وقَد لا يَكونُ؛ لأنَّه ليْس هُناك نبِيٌّ حتَّى يَختَلِطَ المَسمُوعُ المُستَرَقُ بالوَحْيِ الصَّحِيحِ.

<<  <   >  >>