للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن مَشَى إليهم ضاعَ وَقتُه، فهل يَترُكُهم؛ لأنَّ الوَقتَ قَليلٌ؟ وهل يُعذَرُ الإنسانُ إذا غَلَبَ على ظَنِّه أنَّ هذا الشَّخصَ بَعيدُ الاستِجابَةِ أو بَعيدٌ أن يَقبَلَ منه، ولا يَجِدُ الوَقتَ المُناسبَ له؟

فالجَوابُ: هذه في الواقِعِ مَوعِظةٌ أو أمْرٌ، فالدَّعوَةُ تَكونُ بصِفةٍ عامَّةٍ، أمَّا أن تَذهَبَ إلى فُلانٍ وتَنصَحُه فهذا في الحَقيقَةِ مَوعِظةٌ، وإن كان لك سُلطَةٌ فهو أمرٌ، أمرٌ بالمَعروفِ، وهذا كما نَعرِفُ له أَحوالٌ، لا يَجِبُ على الإنسانِ أن يَترُكَ ما يَهُمُّه في دينِه ودُنياهُ من أجلِ أن يَذهبَ إلى النَّاسِ وَيقرَعَ أبوابَهم ليَأمُرَهم أو يَعِظَهم، هذا ليس بواجبٍ.

فإن قيل: قولُهُ - صلى الله عليه وسلم -: "مَن رأى مِنكم مُنكرًا فَلْيُغيِّرْه" (١)؟

فالجواب: نعم في: (مَن رَأى)، لكنَّ الرَّسولَ - صلى الله عليه وسلم - ما ذَهبَ وما قال: تطلَّبوا رُؤيَةَ المُنكَرِ، وهذا الَّذي لا يُصلِّي يُمكنُ أن أَعِظَه في السُّوقِ أو في المَسجدِ؛ ولهذا نَجِدُ النَّاسَ الآنَ يَستثقِلونَ أن يَقرعَ عليهِمُ البابَ أحدٌ فيَعِظَهم أو يَأمُرَهم، ورُبَّما حَصَلَ من ذلك ما يُسَمَّى برَدِّ الفِعلِ.

من فوائدِ الآيَةِ الكريمَةِ:

الْفَائِدَة الأُولَى: تَفاضُلُ الأعمالِ؛ لقَولِه: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا}، وأحسنُ اسمُ تَفضيلٍ، ولا شكَّ أنَّ الأعمالَ تَتَفاضَلُ بثَلاثِ اعتِباراتٍ: باعتِبارِ الجِنسِ، وباعتِبارِ النُّوعِ، وباعتِبارِ الهَيئَةِ والكَيفيَّةِ.


(١) أخرجه مسلم: كتاب الإيمان، باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان، رقم (٤٩)، من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>