للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولو كان ذا عِلمٍ لحَصَلَ له الثَّباتُ، ولا يَخفى ما جَرى من عُمَرَ - رضي الله عنه - في صُلحِ الحُديبيَّةِ صار يُعارضُ الصُّلحَ (١)، ويَأتي للرَّسولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يُريدُ أن يَحِلَّ عُقدةَ الصُّلحِ، لكنَّ الثَّباتَ كَثباتِ أبي بكرٍ تَبيَّنَ بحَقٍّ، فلا يُمكنُ أن يَكونَ داعِيةً يَدعو إلى اللهِ بِلا عِلمٍ، هذا إذا أَردْنا العِلمَ بما يَدعو إليه، ولسنا نُريدُ أنَّه لا يُمكنُ أن يَدعوَ إلى اللهِ إلَّا مَن كان مُتبحِّرًا بالعُلومِ، لا، لو قُلنا هكذا ما صحَّ قَولُ الرَّسولِ: "بَلِّغوا عنِّي ولو آيَةً" (٢).

فالجَوابُ إذن مِن وَجهينِ:

الوَجهُ الأَوَّلُ: أنَّه لا مُنافاةَ بين العِلمِ والدَّعوةِ.

الوَجهُ الثَّاني: أنَّه لا تمُكنُ الدَّعوةُ إلَّا بعِلمٍ بما يَدعو عليه.

بَقِيَ علينا وَسائلُ الدَّعوةِ، ووَسائلُ الدَّعوةِ كَثيرةٌ يَعني: ليس الدَّعوَةُ مخُتَصَّةً بَأن يَقومَ الإنسانُ يَتكَلَّمُ، بل الدَّعوَةُ تَكونُ بالقَولِ وتَكونُ بالكِتابَةِ وتَكونُ بنَفْسِ الفِعلِ، الإنسانُ الَّذي تَثِقُ منه تَجِدُ أنَّك تَنظُرُ ماذا يَصنَعُ وتَفعَلُ مِثلَه، هذه دَعوَةٌ، هذا نَوعٌ مِنَ الدَّعوَةِ، بل قد تَكونُ الدَّعوَةُ بالفِعلِ والعَملِ أَقوَى تَأثيرًا مِنَ الدَّعوَةِ باللِّسانِ.

فإن قيل: طالِبُ العِلمِ الَّذي يُريدُ الدَّعوَةَ ولا سِيَّما الدَّعوةُ في الحاراتِ؛ لأنَّه يوجَدُ في الحاراتِ مُنكرٌ كَثير كتَركِ الصَّلاةِ وَيعرِفُ فُلانًا وفُلانًا وتَرْكَهم الصَّلاةَ،


(١) أخرجه البخاري: كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد، رقم (٢٧٣١)، من حديث المسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم - رضي الله عنهما -.
(٢) أخرجه البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل، رقم (٣٤٦١)، من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>