للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مَرَضًا وعِلَّةً، مَثَلًا: بَعضُ النَّاسِ يُحْجَبُ عَنِ التَّمرِ أَوِ العِنبِ أَوْ عَن كلِّ ما فيه حَلالٌ فَيَضُرُّه، وآخَرونَ يَنفعُهم الحَلالُ، مَعَ أنَّ الطَّعامَ واحدٌ لكنَّ المَحلَّ مُختلِفٌ، يَكونُ مَحلَّ هَؤلاءِ قابلًا له، ومَحَلُّ آخَرينَ غَيرُ قابلٍ.

قال اللهُ تَعالى: {وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} [فصلت: ٤٤]، {أُولَئِكَ} المُشارُ إِلَيهمُ الَّذينَ لا يُؤمنونَ وَأَشارَ إِلَيهِمْ بِصيغَةِ البَعيدِ لَيس رِفْعةً لِشأنِهم وَلَكِنْ إِظْهارًا لِلتَّبرُّؤِ مِنهم وإِبْعادهم: {أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} يَعْني: كالَّذي يُنادَى مِن مَكانٍ بَعيدٍ، والَّذي يُنادَى مِن مَكانٍ بَعيدٍ يَعوقُه عَن الحُضورِ وَالِاستجابةِ أَمرانِ:

الأمرُ الأوَّلُ: أَنَّه لِبُعدهِ قَد لا يَسمعُ النِّداءَ.

الأمْرُ الثَّاني: أَنَّه لِبُعدهِ قَد يَرى أَنَّ الِاستجابةَ شاقَّةٌ عَليه فَلا يُجيبُ، وعَلَى هَذا فَكَونُهم يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعيدٍ يَتعلَّقُ بِنِدائهم آفَتانِ:

الأُولَى: يَرَوْنَ المَسافةَ بَعيدةً فَيَكسِلونَ ويَرَوْنها مِن المَشقَّةِ فَيَدَعون إِجابَةَ المُنادي.

والثَّاني: أَنَّهم لَا يُدركُون المُناديَ لِبُعْدهم عَنه فَلا يُجيبونَ عَلَى الوَجْهِ المَطلوبِ.

يَقولُ المفسِّرُ - رَحِمَهُ اللهُ -: [{أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} أَيْ: هُمْ كَالمُنادَى مِن مكانٍ بَعيدٍ لَا يَسمَعُ].

من فَوَائدِ الآيَةِ الكريمَةِ:

الْفَائِدَة الأُولَى: حِكْمةُ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - في كَونِ الوَحيِ النَّازلِ عَلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - على وِفقِ لُغةِ القَومِ الَّذين أُرسِلَ إِلَيهم يُؤخَذُ مِن قَولِه: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ} [فصلت: ٤٤] إلخ؛ واللهُ تَعالَى جَعلَه قُرآنًا عَربيًّا.

<<  <   >  >>