[الآية (١١)]
* * *
* قالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: ١١].
{ثُمَّ} أيْ: بعْد خلْقِ الأرْضِ وتقْدِيرِ أقواتِها، اسْتَوى إلَى السَّماءِ.
قال المُفسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [قصَد {إِلَى السَّمَاءِ}]، وهَذا أحَدُ القَوْلَيْن في هَذه الجُملَةِ: أنَّها بِمعنَى قصَد، لكِن قصْدًا كامِلًا؛ وذلِك لأنَّ "استَوى" تدُلُّ على الكَمالِ، كما قال تَعالَى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى} [القصص: ١٤].
والقَوْلُ الثَّاني: أنَّ "استَوَى إلَى السَّماء" بمَعنَى "استَوى على السَّماء"؛ أيْ عَلا علَيها، ولكِنَّ المَعنَى الَّذي سلَكَه المُفسِّرُ أرْجَحُ، أَنَّه قصَد إلَى السَّماءِ بإرادةٍ تامَّةٍ مُستَويَةٍ؛ لأنَّ "إلَى" تُفِيدُ الغايَةَ، و"على" تُفِيدُ الِاسْتِعلاءَ.
ومَعلُومٌ أنَّ السَّمواتِ لَم تَكُنْ خُلِقتْ في تِلك السَّاعَةِ، ثمَّ إنَّنا لو قُلْنا: إنَّ اسْتَوى بِمَعنَى عَلا: "ثُمَّ اسْتَوى على السَّماء"، كان قَبْل ذلِك حِينَ خلَق الأرْضَ ليْس عاليًا على السَّماءِ، مَع أنَّ عُلُوَّ اللهِ تَعالَى وَصْفٌ لازمٌ لِذاتِه.
وقَولُه: [{ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} بُخار مُرتَفِعٌ]؛ جُمْلَةُ {وَهِيَ دُخَانٌ} حالِيَّةٌ، والسَّماءُ هُنا بمَعنَى العُلُوِّ؛ لأنَّها لَم تَكُنْ خُلِقتْ بعْدُ، لَكنَّها كالدُّخانِ، أي: البُخارُ المُرتَفعُ؛ قِيل: إنَّ هَذا البُخارَ المُرتَفِعَ تَصاعَدَ مِن الماءِ الَّذي كان قَبلَ أنْ تُخلَقَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute