للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقدْ جمَع اللهُ تَعالى بَين هَذه الثَّلاثَةِ في قولِه: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: ٣٦] , وتَأمَّل قولَهم: {وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ} لم يَقولوا: "وبينَنا وبينَك حِجاب" إشارَة إلى أنَّ هذا الحِجابَ مُمتدٌّ من عِندِنا إلَيك، وعلَى هَذا فكُلَّما تَباعَدنا عَنك غَلُظَ هذا الحِجابُ؛ لأنَّه إذا كان ابتِداؤه مِن عِنْدهم إلَى الرَّسول، صار كلَّما زادَت المَسافَةُ ازدادَ غِلَظُه؛ لأنَّ (مِنْ) هُنا للابتِداء، فتُفِيد أنَّ هذا الحِجاب مُباشرٌ منهم إلى الرَّسول - صلى الله عليه وسلم - لكنْ لو قالوا: "وبينَنا وبيْنَك حِجاب" لأمكَن أن يَكونَ الحِجاب في الوَسَط، ولو كان بينَه وبينَهم مَسافَة، وهَذا يدلُّ على غِلَظ ما بينَهم وبينَ الرَّسول عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وبُعدِه.

وقولُه: {فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ} هذا -والعِياذُ بالله- التَّحدِّي للرَّسول - صلى الله عليه وسلم - فيما يَظْهرُ، وليس من بابِ الإباحَةِ، بل من بابِ التَّحدِّي، قال المُفسِّرُ: [{فَاعْمَلْ} على دِينِك {إِنَّنَا عَامِلُونَ} على ديننا]، ويَحتَمِل: اعمَل لمُجاهدَتِنا فإنَّنا عامِلون لمُجاهدتِك، وهذا القَول ممَّا ذَهبَ إليه المُفسِّر؛ فكأنَّهم يَقولون: اعمَلْ ونَحن سنَعْملُ.

مِن فَوائِد الآيَةِ الكَرِيمَةِ:

الْفَائِدَة الأُولَى: شِدَّة كَرَاهةِ المُشرِكين لِما نَزَل مِن الحقِّ، والدَّليلُ قولهُم: {قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ}.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: شِدَّةُ مُعانَدةِ المُعارِضين ومُعارَضتِهم لهذِه الأوْصافِ.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: تحدِّي هؤلاءِ المُبطِلين على باطِلِهم.

وَيتفرّع عليْها: أنَّ مِنْ أهلِ الباطِل مَن يَتحدَّى أهْلَ الحقِّ إلَى يومِنا هَذا، ولَكِن على أهلِ الحقِّ أنْ يَستَعِينوا بالله عَزَّ وجَلَّ في مُقاوَمةِ هَؤلاء، وأنْ يعلَموا أنَّ كَلِمةَ حقٍّ

<<  <   >  >>