لأنَّ اللهَ يَقولُ في سورَةِ الجِنِّ:{وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ}[الجن: ٦]، قالوا: الآيَةُ الأُخرى: {إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى}[يوسف: ١٠٩]، فيُقالُ: الجِنُّ أيضًا من أَهْلِ القُرى، لكنَّ الأحقَّ بالأرضِ الإنسُ لا شكَّ، ولهذا لو اعتَدى أحدٌ مِنَ الجِنِّ ونزل بَيتَكَ فلك أن تُخرِجَهُ، والدَّليلُ هو أنَّ الرَّسولَ -صلَّى اللهُ عليه وعلى آله وسلَّم- جَعَلَ الأرضَ لمالكِها:"مَنِ اقتَطَع شِبرًا مِنَ الأرضِ ظُلمًا طَوَّقَه اللهُ بها يَومَ القِيامَةِ من سَبع أَرَضِينَ"(١).
فأنا أَستطيعُ أن أَحْرُثَ في الأَرْضِ وأَزرَعَ وأَبني وأَعْمَلَ ما شِئتُ ولا مُعارِضَ لي، ولكن: كيف لو جاءوا واعتدوا على بَيتِك وحَفَروا فيه وأصبحت، وإذا السَّطْحُ مَملوءٌ مِنَ الزَّرعِ والمَجالِسُ مملوءةٌ مِنَ النَّخيلِ!
وقال تعالى:{إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ}{إِنَّهُمْ}، أيِ الَّذين حَقَّ عليهم القَولُ {كَانُوا خَاسِرِينَ} كانوا في عِلمِ اللهِ وليس يَومَ القيامَةِ؛ لأنَّه لو كان كذلك لقال: يَكونون، لكن {كَانُوا} في عِلمِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وتَقديرُهُ: {خَاسِرِينَ}.
فإِنْ قال قائِلٌ: ألا يَجوزُ أن يَكونَ قولُه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ} على أنَّه يومُ القيامَةِ من باب قولِهِ تَعالى: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ}[النحل: ١]؟
فالجَوابُ: لا، {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ} لولا أنَّهُ قال: {فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ} لكان على ظاهِرِه.
(١) أخرجه البخاري: كتاب المظالم، باب إثم من ظلم شيئًا من الأرض، رقم (٢٤٥٢، ٢٤٥٣)، ومسلم: كتاب المساقاة، باب تحريم الظلم وغصب الأرض وغيرها، رقم (١٦١٠)، من حديث سعيد بن زيد - رضي الله عنه -.