للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فالجَوابُ: يَعْبُدونَه بشَريعَةٍ مِنَ اللهِ يَكونُ الرَّسولُ - صلى الله عليه وسلم - قد عَلَّمَهُمْ؛ لأنَّهُ اجتَمَعَ بهم وعَلَّمَهم ما يَلْزَمُهم.

يَقولُ اللهُ تَعالَى: {مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ}، إذن الجِنُّ عالَمٌ غَيبيٌّ، خُلِقوا مِن نارٍ، مُكلَّفون بشَريعَةِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - إلزامًا؛ لأنَّه مُرسَلٌ إلى الجِنِّ والإنسِ، لكنَّ غَيْرَ الرَّسولِ لا نَعلَمُ هل هُمْ مُلْزَمونَ بذلك أو لا، لكنَّهم مَأذونٌ لهم أن يَعْمَلوا بها كما قال تَعالَى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (٢٩) قَالُوا يَاقَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى} [الأحقاف: ٢٩ - ٣٠] ممَّا يدُلُّ على أنَّهم انْتَفَعوا بكِتابِ موسى: {أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ} [الأحقاف: ٣٠]، فهم مُلْزَمون بالعَمَلِ بِشَريعَةِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -.

قُلنا: إنَّهم عالَمٌ غَيبيٌّ، لكن رُبَّما يَبْرُزونَ لبَعضِ النَّاسِ يَتَلَوَّنونَ، فقد يَتَراءىَ الجِنُّ للإنسيِّ بصورَةِ إنسانٍ فَخْمٍ كَبيرٍ عَظيمٍ، أو بصورَةِ هيكلٍ له قُرونٌ وله آذانٌ وله أَرْجُلٌ طَويلَةٌ وما أشبه ذلك، وأمَّا ما زَعَمَ بَعضُ النَّاسِ أنَّهم أَجسادٌ ليس فيها عِظامٌ، وأنَّهم إذا لمَسْتَه وَجَدتَه رَقيقًا جدًّا، وأنَّ أعينَهم مَشقوقَةٌ طولًا هكذا، فهذا لا أَصْلَ له.

إذن؛ نَقولُ: هُمْ عالَمٌ غَيبيٌّ، وَيدُلُّ لذلك المادَّةُ الَّتي يوصَفونَ بها يعني: الجِنَّ؛ لأنَّ الجيمَ والنُّونَ تَدُلُّ على الِاستِتارِ والخَفاءِ، أرأيتم الجَنَّةَ، الجَنَّةُ: هي البُستانُ الكَثيرُ الأشجارِ، والجِنَّةُ: الجِنُّ، والجُنَّةُ: ما يَتَّخِذُه المُقاتِلُ لحمايَةِ نَفسِه مِنَ السِّهامِ يَستَتِرُ به.

فإِنْ قال قائِلٌ: الجِنُّ هل فيهم رَسولٌ؟

فالجَوابُ: يَقولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ} [النحل: ٤٣] وقال العُلماءُ: إنَّ الرِّجالَ لا يَكونونَ مِنَ الجِنِّ، لكن في هذا التَّعليلِ نَظَرٌ؛

<<  <   >  >>