للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تَحريمَ الشِّركِ والظُّلمِ والعُدوانِ وما أَشْبَهَ ذلك هذا عامٌّ على الجِنِّ والإنسِ، إنَّما أُريدَ التَّكليفاتُ البَدَنيَّةُ كالصَّلاةِ مثلًا، هل صَلاتُهُمْ كصَلاتِنا أو صِيامُهم كصِيامِنا، هذا هو مَحَلُّ الخِلافِ بينَ العُلَماءِ.

فمنهم مَنْ يَقولُ: إنَّ الجِنَّ مُكلَّفونَ كما كُلِّف الإنسُ تمامًا، وحُجَّةُ هَؤلاءِ عُمومُ الأَدِلَّةِ الَّتي بين أَيدينا الَّتي أُرسِلَ بها الرَّسولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لا نَجِدُ فيها أحكامًا تَخُصُّ الجِنَّ، فالأصلُ العُمومُ، وَالأصلُ أنَّ كُلَّ ما كُلِّفَ بهِ الإنسُ هو ما كُلِّفَ به الجِنُّ.

فإِنْ قال قائلٌ: حُجَّتُهم أنَّهم خَلْقٌ من خَلْقِ اللهِ! قلنا: تَرِدُ عليه المَلائِكَةُ.

القَولُ الثَّاني: أنَّ الجِنَّ يَختَلِفونَ عن الإنسِ في العِبادَةِ وما كُلِّفوا به، ووَجهُ ذلك أَنَّنا نَجِدُ مِن حِكمَة اللهِ أنَّ التَّشريعاتِ مُناسِبَةٌ للمُكَلَّف بها، فالمَريضُ يُصلِّي قاعدًا، والمُسافِرُ يُؤخِّرُ الصَّومَ، والَّذي لا يَستطيعُ الرُّكوبَ على الرَّحلِ لا يَحُجُّ، فإذا كانت هذه الِاختِلافاتُ تَكونُ بين الإنسِ لاختلافِ أحوالهِم، فما بين الإنسِ والجِنِّ من باب أَوْلَى.

لكنَّ هُناك أشياءَ لا إِشكالَ فيها وهي: تَحريمُ الشِّركِ والظُّلمِ والعُدوانِ وما أَشْبَهَ ذلك؛ ولذلك نَجِدُ كَثيرًا مِنَ العُلماءِ الَّذين يَقْرَؤونَ على مَنْ مَسَّهم الشَّيطانُ يُذَكِّرونهم بتَحريمِ الظُّلمِ، وأنَّه حَرامٌ، وأنَّهم مُعتَدونَ، وما أَشْبَهَ ذلك ممَّا يدُلُّ على أَنَّهم مُلتَزِمون بهذا.

فإِنْ قال قائلٌ: مِنَ المَعلومِ أنَّ العِباداتِ تَوقِيفِيَّةٌ فكيفَ سيَعْبُدون اللهَ عَزَّ وَجَلَّ إذن؟

<<  <   >  >>