للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أي: بقولِ السَّحَرَةِ، يعني: ليس بِساحِرٍ، ومع ذلك فقد حَقَّتْ عليه الكَلِمَةُ نَسألُ اللهَ العافِيَةَ، وأن يُحسِنَ لنا ولكم الخاتِمَةَ، حَقَّت عليه الكَلِمَةُ فلم يُؤمِنْ.

يَقولُ المُفسِّرُ رَحَمِهُ اللهُ: [{فِي} جُمْلَةِ {أُمَمٍ}] يَعني في جُمْلتِها، واحتَجْنا إلى قَولٍ في جُمْلَةٍ، يعني: إِدخالَ جُمْلَةٍ مع أنَّها مَعروفَةٌ في السِّياقِ؛ لأنَّه لو قال: في أُمَمٍ، لكان هؤلاءِ مُشارِكينَ لكُلِّ الأُمَمِ الماضيةِ والمُستَقْبَلَةِ مع أنَّهم في أُمَّتِهم وَحدَهم، فيكونُ المعنى: {فِي أُمَمٍ} أيْ [{فِي} جُمْلَةَ {أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ} هَلَكَتْ {مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ} .. إلخ].

قولُه تعالى: {مِنْ قَبْلِهِمْ}؛ أي: قَبْلَ هؤلاءِ المُكذِّبينَ، {مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ}، الجِنُّ هم عالَمٌ غَيبيٌّ خَلَقَهمُ اللهُ تعالى من نارٍ؛ لأنَّ أباهم إبليسَ كان مِن نارٍ، ولهذا كان شأنُهم، أو كانت حالهُم الطَّيشَ والسُّرعَةَ والِانْدِفاعَ كالنَّارِ في لَهَبِها، فهم خُلِقوا مِنَ النَّارِ، وهم مُكلَّفون بالإيمانِ باللهِ ومَلائِكتِه وكُتُبِه ورُسُلِه واليومِ الآخِرِ، ولكن هل الأعمالُ الَّتي كُلِّفوا بها، هَلْ هي الأَعْمالُ الَّتي كُلِّفتْ بها الإنسُ أو غَيرُهَا؟

إن نَظَرنا إلى عُموماتِ الأدِلَّةِ قُلنا: إنَّ الجِنَّ مُكلَّفَةٌ بما كُلِّفَ به الإنسُ، لأنَّ الشَّريعَةَ الَّتي بين أيدينا لم تأتِ بشَريعَةٍ للجِنِّ، بَلِ الشَّريعَةُ واحدَةٌ والرَّسولُ واحدٌ، فهم مُكلَّفون مَثلًا بصَلاةٍ كصَلاتِنا ووُضوءٍ كوُضوئِنا وحَجٍّ كحَجِّنا وصَومٍ كَصَومِنا وصَدَقَةٍ كصَدَقَتِنا، كُلُّ ما نَحنُ مُكلَّفون به فَهُمْ مُكلَّفون به، إذ إِنَّنا لا نَرى في الشَّريعَةِ الَّتي بينَ أيدينا تَشريعاتٍ لِلجِنِّ هذا إذا نظرنا إلى عُمومِ الأدِلَّةِ.

وإذا نَظَرنا إلى حِكْمَةِ اللهِ تعالى في شرْعِه قُلنا: إنَّهم مُكلَّفون بِشَريعَةٍ تَليقُ بهم، فكما أنَّ الإنسَ إذا اختَلَفوا يُجعَلُ لكُلِّ صِنفٍ ما يَلِيقُ به فكذلك الجِنُّ، والجِنُّ مُخالِفونَ تمَامًا للإنسِ في الحَدِّ والحَقيقَةِ، فتكونُ شَريعَتُهُمْ خَاصَّةً تَلِيقُ بهم، لكنَّ

<<  <   >  >>