للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَرُّوا بأَقوامٍ يَعبدونَ غَيرَ الله: {قَالُوا يَامُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} [الأعراف: ١٣٨]، وَلمَّا صَنَعوا مِنَ الحُليِّ عِجلًا قَالوا: {هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى} [طه: ٨٨]، فَجعلوا العِجلَ الَّذي صَنَعوه بِأَيديهِمْ إِلَهًا، نَسألُ اللهَ العافيةَ.

قَالَ اللهُ تَعالَى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ} [فصلت: ٤٥]، لَمَّا ذَكَرَ اللهُ تَعالَى هَذا الكِتابَ العَزيزَ، وَأنَّه لِلَّذينَ آمَنوا هُدًى وشِفاءٌ وللَّذين في قُلوبِهم مَرضٌ: {وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى} بَيَّنَ ما كانَ مِنَ الأُممِ السَّابقةِ نَحوَ كُتُبهم فَقالَ: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} [فصلت: ٤٥] {آتَيْنَا} بمَعْنى أَعْطَيْنا، الجُملةُ هَذِه مُؤَكَّدةٌ بِثَلاثةِ مُؤكِّداتٍ وَهي:

القَسَمُ وَاللَّامُ وَ (قَدْ) وَتَقديرُ الكلامِ: وَاللهِ لَقدْ آتَيْنا، وَهو يَقَعُ كَثيرًا في الكِتابِ العَزيزِ، أَيْ: مِثْلُ هَذِه الصِّيغَةِ تَقَعُ كَثيرًا في القُرآنِ، وقَولُه: {آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} هَذا الإِتيانُ إِتيانٌ كَونيٌّ وشَرعيٌّ، فاللهُ تَعالى قَد أَنزلَ عليه التَّوراةَ فِعلًا، وقَدْ آتاهُ الحُكمَ بِها.

و{مُوسَى} هو ابْنُ عِمرانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَفضلُ أَنبِياءِ بَني إِسرائِيلَ، وَهو في المَرتبةِ الثَّالثةِ بِالنِّسبةِ لِأُولي العَزمِ؛ لِأنَّ أُولي العزمِ هُم خَمسةٌ أَفْضلُهم مُحمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ إِبْراهِيمُ ثُمَّ موسى عليهم الصلاة والسلام.

يَقولُ المفسِّرُ - رَحِمَهُ اللهُ -: [{الْكِتَابَ} التَّوراةُ] وسَمَّاها اللهُ تَعالى كِتابًا؛ لأنَّ اللهَ كَتبها بِيدِه تَباركَ كَما قَالَ تَعالى: {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [الأعراف: ١٤٥]. يَقولُ المفسِّرُ - رَحِمَهُ اللهُ -: [{فَاخْتُلِفَ فِيهِ} بِالتَّصديقِ وَالتَّكذيبِ كَالقُرآنِ] أَي: اخْتَلفَ النَّاسُ فيه فَمِنهم المُصدِّقُ ومِنهم المُكذِّبُ كَما كان النَّاسُ أيضًا بالنِّسبةِ لِلقُرآنِ،

<<  <   >  >>