للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إذن آياتُ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - إمَّا عقليَّةٌ وإمَّا سَمعيَّةٌ مَحسوسَةٌ هنا، {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ} الآياتُ هذه محَسوسَةٌ، كُلٌّ يَعرِفُها، اللَّيلُ والنَّهارُ، وأنَّه لا يُمكِنُ لأحدٍ أن يَأتيَ بهما.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أنَّ اللَّيلَ والنَّهارَ والشَّمسَ والقَمرَ آياتٌ عَظيمَةٌ، ولهذا نَصَّ اللهُ عليهن، والأمرُ كذلكَ، هذه الشَّمسُ الكَوكَبُ العَظيمُ المُنيرُ الحارُّ لا يُمكِنُ لأيِّ مخَلوقٍ أن يَصنَعَ مِثلَها إطلاقًا، وقد بَيَّنَّا في أثناءِ التَّفسيرِ وَجهَ ذلك.

الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: النَّهيُ عنِ السُّجودِ للشَّمسِ والقَمرِ؛ لقَولِه: {لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ} مع أنَّهما مِن آياتِ اللهِ، لكنَّها مخَلوقَةٌ، والسُّجودُ إنَّما يَكونُ للخالِقِ.

وننتَقِلُ مِن هذا إلى نُقطةٍ مُهمَّةٍ أشارَ إليها شَيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّةَ رَحِمَهُ اللهُ وهو أنَّ صِفاتِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - ليست هي اللهُ. فلا يَجوزُ دُعاءُ الصِّفةِ ولا السُّجودُ لصِفاتِ اللهِ، ولهذا قال شَيخُ الإسلامِ رَحِمَهُ اللهُ: مَن دعا صِفةً من صِفاتِ اللهِ فإنَّه كافرٌ بالاتِّفاقِ (١)، يَعني: لو قال قائِلٌ: يا رَحمَةَ اللهِ ارحَميني، كيف يا رَحمَةَ اللهِ ارحميني، هل الرَّحمَةُ شَيءٌ بائنٌ عنِ اللهِ يَستطيعُ أن يَرحَمَ؟ لا، فإذا قُلتَ: يا رَحمةَ اللهِ ارحميني، مَعناها أنَّك جَعلْتَ معَ اللهِ إلهًا آخَرَ وهذا كُفْرٌ.

وكذلك إذا قُلت: يا قُدرَةَ اللهِ أنقِذيني هذا حَرامٌ شِركٌ، قُل: يا اللهُ بقُدرَتِك أَنقِذني، ولا يَرِدُ على هذا قَولُه: اللهُمَّ برحمَتِك أستَغيثُ (٢)؛ لأنَّ ليس مَعناها أنِّي أستَغيثُ بالرَّحمَةِ وكأنَّني أَعتَقِدُها شيئًا مُستقلًّا، لكنَّ المَعنى التَّوسُّلُ إلى اللهِ تَعالى برَحمَتِه كأنَّه يَقولُ: يا رَبِّ أَغِثني برَحمتِك. فيَجِبُ التَّنبُّهُ لهذه المَسألَةِ.


(١) انظر: تلخيص كتاب الاستغاثة (ص: ١٨١).
(٢) أخرجه الترمذي: كتاب الدعوات، رقم (٣٥٢٤)، من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>