للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن ذلك أيضًا مِنَ الخَطأِ في مِثلِ هذا قَولُ بَعضِ النَّاسِ: شاءَت قُدرَةُ اللهِ، شاءَ القَدَرُ، هذا حَرامٌ، لا يَجوزُ، القُدرَةُ نَفسُها ليس لها مَشيئَةٌ، المَشيئَةُ للهِ - عَزَّ وَجَلَّ - أمَّا القُدرَةُ فليس لها مَشيئةٌ، لأنَّها صِفةٌ في موصوفٍ والشَّائي والمُختارُ هو اللهُ عَزَّ وَجَلَّ. أمَّا اقتضت قُدرَةُ اللهِ فهذا صَحيح، يعني: أنَّ من مُقتَضَياتِ القُدرَةِ كذا وكذا، أمَّا المَشيئَةُ فلا تَكونُ إلَّا مِن شاءٍ له اختِيارٌ، وهذا لا يُمكِنُ أن يَكونَ من صِفةٍ.

فإِنْ قال قائِلٌ: هُناك عِبارَةٌ شائعَةٌ بَينَ العامَّةِ قَولُهم: نَحمَدُ اللهَ ونَشكُرُ فَضلَه؟

فالجَوابُ: أليس اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالى يَقولُ: {وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ} [النحل: ١١٤]، والمُرادُ نِعمَةُ اللهِ المَخلوقَةُ لا الصِّفَةُ، يَعني: ما أَنعَمَ اللهُ، كذلك أَشكُرُ فَضلَ اللهِ ليس مَعناه أنِّي أَجعَلُ هذه الصِّفَةَ مَشكورَةً لكنَّ هذا الفضلَ الَّذي مَنَّ اللهُ عَلَيَّ أشكُرُه عليه، فهذه العِبارَةُ لا شَيءَ فيها.

الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أنَّ من بَلاغةِ القُرآنِ أنَّه إذا ذَكَرَ الحُكْمَ ذَكَرَ الدَّليلَ العَقليَّ عليه؛ لقَولِه: {وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ} اسجُدوا للهِ، هذا واضح أمرٌ شرعيٌّ لكن: {الَّذِي خَلَقَهُنَّ} دَليلٌ كونيٌّ قَدَريٌّ على أنَّ المُستحِقَّ للسُّجودِ الَّذي خَلَقَ هذه الأشياءَ، كيف تَسجدونَ للشَّمسِ والقَمرِ ولا تَسجُدون للهِ الَّذي خَلَقَهنَّ، ونَظيرُ هذا قَولُه تَعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة: ٢١] وقَولُه تَعالى: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} [فصلت: ١٥] قال اللهُ تَعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً}، لم يَقُل: أَوَ لَمْ يَرَوا أنَّ اللهَ هو أَشدُّ منهم قُوَّةً، بل قال: {الَّذِي خَلَقَهُمْ} ليَدُلَّ بذلك دَلالةً عَقليَّةً واضحَةً أنَّهم دونَ اللهِ تعالى في القُدرَةِ؛ لأنَّ اللهَ هو الَّذي خَلَقَهم، وهذا مِن أساليبِ القُرآنِ المُعجزَةِ الَّتي تَدُلُّ على أنَّه من لَدن حَكيمٍ خَبيرٍ.

<<  <   >  >>