للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال اللهُ تَعالى: {يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} الباءُ هُنا بمَعنى (في)؛ لأنَّ المَقصودَ {بِاللَّيْلِ} يَعني: ظَرفَ اللَّيلِ، وعلى هذا تَكونُ الباءُ بمعنى (في) كما هي في قَولِه تَعالى: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (١٣٧) وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [الصافات: ١٣٧ - ١٣٨] باللَّيلِ يَعني: في اللَّيلِ.

فإِنْ قال قائِلٌ: ما القَولُ في رَأيِ عُلماءِ البَصرَةِ الَّذين يُنكِرون تَقابُلَ الحُروفِ بَعضِها بَعضًا؟

فالجَوابُ: نَحنُ لَدينا قاعدَةٌ:

أَوَّلًا: أنَّه إذا دَلَّ القُراَنُ على شَيءٍ جائزٍ فلا عِبرَةَ بمَن خالَفَه.

ثانيًا: إذا اختَلَف النَّحويُّون في مسألَةٍ، فإنَّنا نتَّبعُ الأسهَلَ، لا يوجَدُ دَليلٌ شَرعيٌّ مَثلًا يُؤيِّدُ هؤلاءِ ولا هَؤلاءِ فنتَّبعَ الأسهَلَ، فإذا رَأيتُم عُلماءَ البَصرَةِ وعُلماءَ الكوفَةِ محُتلِفون في شَيءٍ فاتَّبعوا الأسهَلَ، وأَقولُ: الحَمدُ للهِ على الرَّاحةِ.

فإن قيل: هَل شَيخُ الإسلامِ يُغَلِّطُ مثلَ هذا؟

فالجَوابُ: لا، لا يَغلِّطُ بمثل هذا، شَيخُ الإسلامِ (١) يُغلِّطُ فيما إذا أَمكَنَ تَضمِينُ الفِعلِ مَعنًى يُناسبُ حَرفَ الجَرِّ مثل: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} [الإنسان: ٦] منهم مَن يَقولُ {بِهَا} (الباءُ) بمَعنَى (مِن) أي: يَشرَبُ مِنها عِبادُ اللهِ. نحنُ نَقولُ: لا، الأَوْلَى أن تُضَمِّنَ الفِعلَ مَعنًى يُناسِبُ الحَرفَ، أمَّا الآيَةُ الَّتي مَعَنا {يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ} [فصلت: ٣٨] فلا تَستَقيمُ.

وقَولُه: {بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} يَعني: إذن كُلُّ الوَقتِ يُسبِّحونَ اللهَ.


(١) انظر: مجموع الفتاوى (٢١/ ١٢٣ - ١٢٤).

<<  <   >  >>