والثَّاني: النَّقصُ في كَمالِه، فكَمالاتُه من عِلمٍ وقُدرةٍ وحَياةٍ وسَمْعٍ وبَصرٍ ورحمَةٍ وغيرِ ذلك لا يُمكنُ أن يَعترِيَها نقصٌ بأيِّ حالٍ مِنَ الأحوالِ.
والثَّالثُ: مُماثلَةُ المَخلوقينَ.
ولاحِظوا هذه المَسألَةَ فأكثَرُ الَّذين يُعبِّر ون بمِثلِ هذا يُعبِّرون بمُشابهَةٍ، وهذا ليس بصَوابٍ، الصَّوابُ أن يُعبِّرَ بما عَبَّر اللهُ به عن نَفسِه فقال:{كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}[الشورى: ١١] وقال: {فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ}[النحل: ٧٤]، ولم يَذكُرِ التَّشبيهَ بأيِّ حالٍ منَ الأحوالِ، ولهذا كان التَّعبيرُ بنَفيِ التَّمثيلِ هو الصَّوابُ دونَ التَّشبيهِ. دَليلُ هذا أنَّ اللهَ مُنزَّهٌ عن كُلِّ نَقصٍ وعَيبٍ قَولُه:{وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى}[النحل: ٦٠]
المَثَلُ يعني: الوَصفَ؛ لأنَّ المَثَلَ يُطلَقُ على ذلك كما في قَولِه تَعالى:{مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ}[محمد: ١٥] مَثَلُ بمعنى: وَصفُها صِفتُها، {فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ} فإذا كان اللهُ له المَثَلُ الأعلى؛ أي: الأَكمَلُ لَزِمَ أن يَكونَ مُنزَّهًا عن كُلِّ نقصٍ.
أمَّا النَّقصُ في كَمالِه فيَدُلُّ له قَولُه تَبَارَكَ وَتَعَالىَ: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ (٣٨)} [ق: ٣٨] أي: مِن نَقصٍ على أنَّ هذه المَخلوقاتِ عَظيمَةٌ جدًّا، ومع ذلك ما لَحِقَ اللهُ تَعالى فيها نَقصٌ. {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٣)} [الأحقاف: ٣٣].