وأمَّا المُداهَنةُ في الحَقِيقةِ فأشْبَه ما لَها في وقتِنا الحاضِرِ ما يُسمُّونه بالمُجامَلةِ أو بالعَلمَنة، فإنَّ العلمانيِّين يقُولُون: دع كلَّ إنْسانٍ وشأنَه، الدَّولةُ دولَةُ، والدِّينُ دِينٌ، فالدَّولةُ لا بُدَّ أن تتَّحِدَ، وأما الدِّينُ فلكلٍّ دِينُه، فلا تُنكِر على الكافِرِ ولا على الفاسِقِ، دعْ كلَّ إنسانٍ يعمَلُ ما شاء! !
المُهمُّ: أنَّ هذِه الآيَةَ صرِيحةٌ في أَنَّه يجِبُ أنْ نُنكِرَ على الكافرين كُفرَهم، وَألَّا نُداهِنهم. {أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ}
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّه يَنبَغي تأكِيدُ ما يُمكِنُ أنْ يُنْفَى أو يُشَكَّ فِيه؛ وجْهُه: أَنَّه أكَّد ذلِك بقَولِه: {أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ}، وإلَّا فيكْفي أنْ يقُولَ: قلْ لقَد كفرْتُم، أو قلْ كفرْتُم، لكِن لمَّا كان هَذا أمْر يُشَكُّ فِيه ويُقالُ: هؤُلاء لمْ يكفُروا بالله بلْ آمَنوا به؛ لأنَّهم يؤمِنُون بأنَّ اللهَ مَوجُودٌ وبأنَّ اللهَ خالِقُ السَّمواتِ والأرْضِ، لكِن إذا لم يتَّبِعوا شَرعَه فهُم كافِرون به، ولَو أقرُّوا بِوجُودِه.