للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويتَفرَّعُ على هَذه الفائدَةِ: أَنَّه لا تجُوزُ مُداهَنةُ الكُفَّارِ، وإنْ كانَت المُداراةُ تَجُوزُ لكِنَّ المُداهَنةَ لا تجوزُ.

والفَرقُ بينَهما: أنَّ المُداهَنةَ سُكوتُ الإنسانِ عَن مَعصِيةِ العاصِي، كأنَّه يَقولُ: لَك مَعصِيتُك ولِي طاعَتي، فأنتَ اعْمَلْ وأنا أعمَلُ، فهَذه مُداهَنةٌ ومُصانعةٌ لا تَجُوزُ؛ قال اللهُ تَعالى: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم: ٩]، وممن لا يَجُوزُ لِلمُؤمنِ أنْ يُداهِنَ.

أمَّا المُداراةُ فمَعناها: أنْ يَنقُلَ الإنْسانَ ممَّا هُو عليْه مِن المَعصِيةِ شيئًا فشَيئًا وهُو غيرُ راضٍ بها، بلْ هُو كارِهٌ، ولا يَرى أَنَّه يجوزُ إقْرارُها، بِخلافِ المُداهِنِ.

وأمَّا المُداهَنةُ في الحَقِيقةِ فأشْبَه ما لَها في وقتِنا الحاضِرِ ما يُسمُّونه بالمُجامَلةِ أو بالعَلمَنة، فإنَّ العلمانيِّين يقُولُون: دع كلَّ إنْسانٍ وشأنَه، الدَّولةُ دولَةُ، والدِّينُ دِينٌ، فالدَّولةُ لا بُدَّ أن تتَّحِدَ، وأما الدِّينُ فلكلٍّ دِينُه، فلا تُنكِر على الكافِرِ ولا على الفاسِقِ، دعْ كلَّ إنسانٍ يعمَلُ ما شاء! !

المُهمُّ: أنَّ هذِه الآيَةَ صرِيحةٌ في أَنَّه يجِبُ أنْ نُنكِرَ على الكافرين كُفرَهم، وَألَّا نُداهِنهم. {أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ}

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّه يَنبَغي تأكِيدُ ما يُمكِنُ أنْ يُنْفَى أو يُشَكَّ فِيه؛ وجْهُه: أَنَّه أكَّد ذلِك بقَولِه: {أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ}، وإلَّا فيكْفي أنْ يقُولَ: قلْ لقَد كفرْتُم، أو قلْ كفرْتُم، لكِن لمَّا كان هَذا أمْر يُشَكُّ فِيه ويُقالُ: هؤُلاء لمْ يكفُروا بالله بلْ آمَنوا به؛ لأنَّهم يؤمِنُون بأنَّ اللهَ مَوجُودٌ وبأنَّ اللهَ خالِقُ السَّمواتِ والأرْضِ، لكِن إذا لم يتَّبِعوا شَرعَه فهُم كافِرون به، ولَو أقرُّوا بِوجُودِه.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: بيانُ قُدر اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وبيانُ حِكمَتِه في خلْقِ السَّمواتِ والأرْضِ، حيثُ خلَق هذِه الأجْرامَ العَظيمَةَ الكَبيرَةَ الواسِعةَ في خِلال ستَّةِ أَيَّامٍ.

<<  <   >  >>