للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ} هذِهِ الصِّفةُ للقُرآنِ مِن صِفاتِ النَّفيِ، وتضمَّنتْ بالإثباتِ أنَّه إِذا انْتفَى الباطلُ عَنه مِن كُلِّ وجهٍ من بَيْن يَدَيهِ ومن خلفه لَزِمَ من ذلكَ أنْ يَكونَ حقًّا من كلِّ وجهٍ.

الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: أنَّ القُرآنَ كَلامُ اللهِ يُؤخذُ مِن قولِهِ: {تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} وَجْهُ كَونِه كَلامَ اللهِ أنَّ القُرآنَ صفةٌ، ليس عَينًا مُستقلَّةً مُنفصلَةً، فإذا كان صفةً وذَكَرَ اللهُ أنَّه نَزَلَ منه لَزِمَ أنْ يَكونَ كلامَه.

أمَّا لو كان الشَّيءُ الَّذي ذَكَرَ اللهُ أنَّه أَنزلَه شَيئا مُعيَّنًا مُنفصلًا عن اللهِ، فهَذا لا يدُلُّ عَلى أنَّه مِن صِفاتِ اللهِ، كقَولِه تَعالى: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} [الزمر: ٢١] هذا الماءُ مَخلوقٌ، وقَولُه: {وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} [الزمر: ٦] لأنعامُ مَخلوقةٌ؛ لأنَّها شَيءٌ مُنفصلٌ عنِ اللهِ، وقَولُه: {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [الحديد: ٢٥] الحديدُ مخَلوقٌ.

فإِنْ قال قائلٌ: هل التَّنزيلُ هُنا بمَعْنى الخَلْقِ؟

فالجَوابُ: الفَرقُ أدقُّ مِن الخَلْقِ؛ لأنَّ هذه الأشياءَ لَولا أنَّ اللهَ سخَّرَها ما اسْتَطعنا أنْ نُسيطِرَ عليهَا، فهَذا عَلَى أنَّ نِعمةَ التَّسخِيرِ أَنْزَلَها مِنْ عَلياءَ إلَى أسفلَ حتَّى تَكونَ مُسخَّرةً للخَلْقِ.

لكنْ إِذا جاءَ التَّنزيلُ أَوِ الإنزالُ في أَمرٍ هو صِفةٌ، فإنَّه لَا يُمكنُ أنْ يَكونَ مَخلوقًا بائنًا عَنِ اللهِ بَلْ هو صِفةٌ من صِفاتِ اللهِ.

الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: إثباتُ عُلُوِّ اللهِ، وَجهُ ذلك أنَّه قَالَ: {تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فُصِّلَت: ٤٢]، وإذا كانَ تَنزيلًا منه لَزِمَ أنْ يَكونَ -عَزَّ وَجَلَّ- فَوقُ، وهو كذلكَ، وقدْ ذَكَرنا

<<  <   >  >>