للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أنَّ إيمانَهم لم يَكنْ إيمانًا خاطِفًا، آمَنَ ثُمَّ زال، بل إيمانٌ مُستقِرٌّ؛ لأنَّهم استَقاموا على دينِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وقد سُئلَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - سأله رَجلٌ فقال: "يا رَسولَ اللهِ، قُل لي في الإسلامِ قولًا لا أَسألُ عنه أحدًا غَيرَك - يعني: قَولًا فَصلًا -، فقال لَه: قُل آمَنتُ باللهِ ثُمَّ استَقِمْ" (١) وهو مَأخوذٌ من هذه الآيَةِ: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا}.

وقولُه: {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ}، {تَتَنَزَّلُ} مَدلولهُا يُخالِفُ مَدلولَ تَنَزَّلُ؛ لأنَّ {تَتَنَزَّلُ} فيها زِيادَةُ (التَّاء)، فهذه الزِّيادَةُ تَقتَضي مَعنيينِ: المَعنى الأَوَّلُ أنَّ تَنزُّلَهم يَكونُ شيئًا فشيئًا. {تَتَنَزَّلُ} لا تَنزَّلُ دُفعةً واحدَةً، والثَّاني: أنَّ التَّنزُّلَ أو النُّزولَ مُتكرِّرٌ، {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ}، يعني: كُلَّما دَعت حالهُم إلى تَنزُّلِ المَلائِكةِ عليهم تَنزَّلت عليهم، فصار الفَرقُ الآنَ بين تَنزَّلُ {تَتَنَزَّلُ} من وجهين:

الوَجهُ الأوَّلُ: أنَّ تَنزَّلُ تَعني النُّزولَ مَرَّةً واحدةً.

والوَجهُ الثَّاني: دُفعَةً واحدةً.

و{تَتَنَزَّلُ} تَقتَضي تَكرارَ النُّزولِ، وأنَّه يَكونُ شيئًا فشيئًا.

قولُه تعالَى: {عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ} سَبَقَ الكَلامُ على ذِكرِ المَلائِكَةِ، وقَول المُفسِّرِ رَحِمَهُ اللَّهُ: [عندَ المَوتِ] فيه نَظَرٌ؛ لأنَّ اللهَ تعالَى لم يُقيِّدْ ذلك، فالظَّاهرُ أنَّ المَلائكَةَ تَتَنزَّلُ عليهم كُلَّما دعت الحالُ إلى النُّزولِ عندَ المَوتِ وعِندَ الخَوفِ وعندَ المَعارِكِ، وفي كُلِّ حالٍ تَقتَضي أن تَنزِلَ المَلائكةُ عليهم؛ لأنَّ اللهَ أَطلقَ: {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ}، ويَشهَدُ لهذا قولُه تعالى: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا} [الأنفال: ١٢].


(١) أخرجه مسلم: كتاب الإيمان، باب جامع أوصاف الإسلام، رقم (٣٨)، من حديث سفيان بن عبد الله الثقفي - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>