للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عندَ قِراءةِ القُرآنِ بأن يَصُدَّه عمَّا فيه مِنَ الذِّكرِ الحَكيمِ، يَصُدُّه عن تَدَبُّرِه، عنِ الخُشوعِ فيه، عن كَونِ الإنسانِ يَلتزِمُ بأوامِرِه ونَواهيه ويُصَدِّقُ بإخبارِه. المُهِمُّ أنَّ الشَّيطانَ يَحرصُ على الإنسانِ إذا أَراد قِراءةَ القُرآنِ، فنَاسَبَ أن يُؤمَرَ بِالاستِعاذةِ باللهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ وكَذلك عِند الخَلاءِ؛ لأنَّ الخَلاءَ مَوطِنُ الشَّياطينِ، الشَّياطينُ تَكونُ في أَخبثِ الأماكِنِ، والمَلائِكةُ في أَطيبِ الأماكِنِ؛ ولهذا كانت المَساجِدُ بُيوتَ المَلائكَةِ وكانت المَراحيضُ بُيوتَ الشَّياطينِ.

الْفَائِدَةُ الْعَاشِرَةُ: إِثباتُ الشَّيطانِ وأنَّ له سُلطةً على بَني آدَمَ؛ لقَولِه: {مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} وهو كذلكَ، واللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سَلَّطَ الشَّيطانَ على بَني آدَمَ وأيَّدَ المُؤمنينَ بِالملائكَةِ، فإنَّ الشَّيطانَ إذا أَمَر بِالفَحشاءِ فإنَّ هناك أَمْرًا آخَرَ يُضادُّه وهو أَمْرُ المُلْكِ.

الْفَائِدَةُ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ: أنَّه لا يُستعاذُ إلَّا باللهِ؛ لقَولِه: {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ}، لكن هذا مُقيَّدٌ بما لا يَقدِرُ عليه إلَّا اللهُ، فإنَّه لا استِعاذَةَ منه إلَّا باللهِ، وكذلك أيضًا لا استِعاذَةَ بمَخلوقٍ غَيرِ قادِرٍ، فمثلًا لو أنَّ الإنسانَ استَعاذَ بمَيِّتٍ لكان هذا شِركًا؛ لأنَّ المَيِّتَ لا يُمكنُ أن يُفيدَك، لكن لو استَعاذَ بحَيٍّ فيما يَقدِرُ عليه فلا بَأسَ بذلك؛ لأنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَن وَجَدَ مَلاذًا فلْيَعُذْ به أو مُعاذًا فلْيَعُذْ به" (١) , فالاستعاذَةُ بالمَخلوقِ فيما يَقدِرُ عليه كَالاستِعانَةِ به فيما يَقدِرُ عليه، وكالاستِغاثَةِ به فيما يَقدِرُ عليه.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: إِثباتُ السَّميعِ العَليمِ للهِ بأنَّهما مِن أَسماءِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.

وسَبَقَ أنَّه لا يَجوزُ الإيمانُ بِالاسمِ إلَّا بثَلاثَةِ أُمورٍ إن كان مُتعَدِّيًا، وبأمرينِ


(١) أخرجه البخاري: كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، رقم (٣٦٠١)، ومسلم: كتاب الفتن، باب نزول الفتن كمواقع القطر، رقم (٢٨٨٦)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>