للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الذَّنبَ ثُمَّ يَتندَّمُ نَدامةً عَظيمةً، ثمَّ يَقولُ: قَدَّرَ اللهُ ومَا شاءَ فَعَلَ، كيف يَقَعُ منِّي هذا؟ كيف تَغْلِبُني نَفْسي وهذا أَمرٌ لا بأسَ به.

ولا بُدَّ لِطالبِ العِلم أَنْ يَكونَ عِندَه عِلمٌ بمِثلِ هَذهِ الأمورِ؛ لِيُخَلِّصَ بها نَفْسَه مِنَ الشُّبُهاتِ الَّتي يُورِدُها عليه الشَّيطانُ، ومِنَ الشُّبُهاتِ الَّتي يُوردُها عليه أَولياءُ الشَّيطانِ.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: إثباتُ عِلْمِ اللهِ تَعالى بكُلِّ ما يَعملُ هَؤُلاءِ لِقولِه: {إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}.

الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: تَخصيصُ الحُكمِ بما فيه النِّزاءُ، وإِنْ كان الحُكمُ عامًّا، فَلَنا أَن نُخصِّصَ هذا الحُكْمَ بمَحَلِّ النِّزاعِ، يُؤخَذُ هذا من تَقديمِ المَعمولِ: {بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}، لا نَقولُ: هَذَا الحصرُ حَقيقيٌّ أنَّهُ لا يَعلمُ -عَزَّ وَجَلَّ- إلَّا بِما عَمِلوا، بَلْ يَعلمُ كُلَّ شَيءٍ، لكنْ لمَّا كانَ الكَلامُ في عَمَلهم جاءتِ الآيَةُ، أو جاء الحُكمُ بِصيغةِ الحَصرِ مِن أَجْلِ شِدَّةِ التَّحذيرِ، وأَنَّهم لن يَفوتوا اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ - واللهُ أعلمُ.

فإِنْ قال قائلٌ: كيف نَرُدُّ على مَن قَالوا: إنَّ الظُّلمَ يُمكنُ أن يُطلَقَ على اللهِ تَعالى من بابِ المُقابَلةِ، أَيْ رَدَّ الظُّلم على الظَّالِمِ، واستَدلُّوا بالبَيتِ الجاهِليِّ (١):

أَلا لا يَجْهلَنْ أحدٌ علينا ... فنَجهلُ فَوقَ جَهل الجَاهِلينا

فالجَوابُ: أقولُ هذا مِنَ العَجبِ! أَين في القُرآنِ والسُّنَّةِ أنَّ اللهَ تَعالى وَصفَ نَفسَه بالظُّلمِ في مُقابلةِ الظَّالمِ؟ وإذا لم يَكُنْ، فَلِما نَصِفُ اللهَ بالظُّلمِ وَهو قَد نَفاه عَن نَفْسِه؟


(١) البيت لعمرو بن كلثوم من معلقته المشهورة، انظر: جمهرة أشعار العرب (ص: ٣٠٠)، وشرح القصائد السبع لابن الأنباري (ص: ٤٢٦).

<<  <   >  >>