للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء: ٨٠]، لِأَنَّ التَّناسبَ بَين الآياتِ الَّتي هي الدَّواءُ وبَين المَرضِ الَّذي هو الدَّاءُ لا بُدَّ أَن يَكونَ أَمرًا مُهمًّا يُراعيه الإِنسانُ.

كَما يُراعي ذلكَ في الأَدويةِ الحِسِّيَّةِ، فَالحارُّ يُعالَجُ بِالباردِ، ولهِذا قال النَّبيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - في الحُمَّى: "الحُمَّى مِن فَيحِ جَهنَّمَ فَأَبرِدوها بِالمَاءِ" (١)، وقَدْ شَهِدَ الأطبَّاءُ الآنَ أنَّ البُرودةَ لِمَنْ أُصيبَ بِالحُمَّى مِنْ أَكبرِ العِلاجِ حتَّى كانوا يَجعَلونَ المَريضَ أَحيانًا إِلَى جَنبِ المُكيِّفِ مِنْ أَجْل البُرودةِ، ويَضَعون أَحيانًا عَلى المَريضِ بِالحُمَّى ثَوبًا مَبْلولًا بِالماءِ مِن أَجْلِ تَبريدِه.

فَإِن قال قائلٌ: سَبقَ أَنَّ الأَصلَ إِبقاءُ المُطلَقِ عَلى ما جاء، وَهُنا بَعضُ أَهلِ العِلمِ يُقيِّدونَ بَعضَ الأَمراضِ بِآياتٍ مُعيَّنةٍ، يَقولُ: تَقرأُ آيةَ كَذا وكَذا وهَكَذا، فَهَلْ هَذا يُخالِفُ القاعدَةَ أَمْ لا؟

فالجَوابُ: هَذا لا يُخالفُ القاعدةَ فَهَذه مُوافِقةٌ لِلحِكمةِ، كَما ذَكرنا أَنَّ المَرضَ يُعالَجُ بِما يُناسبُه.

فَإِنْ قيلَ: مِنْ أَين عَرَفوا هَذا؟

فالجَوابُ: مِن حِكْمةِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فَيُعرَفُ هَذا مِنَ الحِكْمةِ.

الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: أَنَّ الإِنسانَ كُلَّما كانَ أَقوى إِيمانًا كانَ أَهدى وَأَشفى مِن قَولِه تَعالى: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} [فصلت: ٤٤]، وهُنا قاعِدةٌ مُفيدةٌ مُهمَّةٌ: أنَّ كلَّ حُكمٍ مُعلَّقٍ بِوَصفٍ أَوْ مُرَتَّبٍ على وَصْفٍ، فَإنَّه يَقوى بِقُوِّةِ ذَلك الوَصْفِ ويَضْعُفُ بِضَعفِ ذَلك الوَصْفِ.


(١) أخرجه البخاري: كتاب بدء الخلق، باب صفة النار وأنها مخلوقة، رقم (٣٢٦٣)، ومسلم: كتاب السلام، باب لكل داء دواء واستحباب التداوي، رقم (٢٢١٠)، من حديث عائشة - رضي الله عنها -.

<<  <   >  >>