للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَقولُ المفسِّرُ - رَحِمَهُ اللهُ -: [{وَظَنُّوا} أيقنوا {مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ} ظَنَّ هُنا بمَعنَى أَيقنَ، والظَّنُّ يَأتي كَثيرًا بمَعنَى اليَقينِ، قال اللهُ تَعالى: {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا} [الكهف: ٥٣] إذن ظَنُّوا بمَعنَى أَيْقَنوا، وقالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ} [البقرة: ٤٦] معنى يَظُنُّونَ: أي: يُوقِنون أَنَّهمْ مُلاقو رَبِّهم، ولو كانَ الظَّنُّ بمعنى الشَّيءِ الرَّاجحِ لَمْ يكونوا مُؤمِنينَ، لَكنْ يَظُنُّونَ بمَعْنى يُوقِنون، إذن الظَّنُّ في اللُّغةِ العربيَّةِ يَأتي بِمعنى اليَقينِ، {وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ} أَيقَنوا.

وقَولُه: {مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ} فِيها تَقديمٌ وتَأخيرٌ وتَوكيدٌ، التَّقديمُ والتَّأخيرُ أَنَّه قَدَّم فيها الخَبرَ وَأخَّر فيها المُبتدَأَ، وَالخَبرُ {لَهُمْ} وَالمُبتدأُ {مَحِيصٍ}، فيها أيضًا تَوكيدٌ وهو {مِنْ} الزَّائدةُ؛ لِأنَّ مَحيصَ مُبتدأٌ مُؤَخَّرٌ ودَخلَتْ عَليه {مِنْ} الزَّائدةُ للتَّوكيدِ، وإِعْرابُه أَنَّه مُبتدأٌ مَرفوعٌ بِالِابْتِداءِ، وعَلامَةُ رَفعِه ضَمَّةٌ مُقدَّرةٌ عَلى آخِره مَنَعَ مِن ظُهورِها اشتغالُ المَحلِّ بِحَركَةِ المُناسبةِ.

يَقولُ المفسِّرُ - رَحِمَهُ اللهُ -: [{مَحِيصٍ} مَهْربٌ مِنَ العَذابِ] يَعني: أَيقَنوا أَنَّه لا مَهْربَ لهم مِنَ العذابِ ولا مَفرَّ لَهمْ مِنه، وأَنَّه واقعٌ بِهمْ لا مَحالةَ.

ثُمَّ قال المفسِّرُ - رَحِمَهُ اللهُ -: [والنَّفيُ في المَوضعينِ مُعلَّقٌ عَنِ العَمَلِ، وجُملةُ النَّفيِ سَدَّت مَسدَّ المَفعولَينِ].

النَّفيُ في المَوضِعينِ:

المَوضِعُ الأوَّلُ: {قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ} هَذهِ {مَا} نافِيةٌ مُعلَّقةٌ عَنِ العَملِ؛ لِأنَّ {آذَنَّاكَ} أَعْلمناكَ وَهي تَنْصبُ ثلاثةَ مفاعيلَ، تَقولُ مَثلًا: أَعْلمتُ زيدًا عَمرًا قائمًا، نَصَبتْ ثلاثةَ مَفاعيلَ زيدًا وعَمرًا وقائمًا، وهُنا {آذَنَّاكَ} المفعولُ

<<  <   >  >>