للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَجَعَلَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الشُّكرَ لله هُوَ العَمَلُ الصَّالحُ يَعني: القيامَ بطاعَةِ اللهِ وَيكونُ بِالقلبِ وَيكونُ بِاللِّسانِ وَيكونُ بِالجَوارحِ، أَمَّا بِالقلبِ فَهو شُعورُ الإِنسانِ بِأنَّ هَذه النِّعمةَ مِنَ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى، وأَنَّه لَولا فَضلُ اللهِ ما حَصَلَت له فيُقِرُّ بِقلبِه، وَيعترِفُ أنَّ ذلك من عندِ اللهِ وليس بِحولِه وقُوَّته، وأَمَّا الشُّكرُ بِاللِّسانِ فالتَّحدُّثُ بِنِعمةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ اعترافًا بِفضلِه لا افتخارًا على خَلقِه بأنْ يَقولَ: الحمدُ لله قدْ رَزقَني اللهُ أَولادًا وَمالًا وعِلمًا وجاهًا وما أَشبهَ ذَلِكَ.

وَمِنَ الشُّكرِ بِاللِّسانِ جَميعُ الطَّاعاتِ القَولِيَّةِ، فَإنَّها مِنَ الشُّكرِ بِاللِّسانِ فَقِراءَةُ القُرآنِ مِنَ الشُّكرِ؛ لأنَّ كُلَّ طاعةٍ بِاللِّسانِ فهي مِنْ شُكرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.

والشُّكرُ بِالجوارحِ العملُ؛ كَالرُّكوعِ والسُّجودِ والقِيامِ والقُعودِ والصَّدقةِ وَما إِلى ذلك، وفي هذا يَقولُ الشَّاعرُ (١):

أفادتْكُم النَّعماءُ مِنِّي ثَلاثةً ... يَدي ولِساني والضَّميرَ المُحَجَّبَا

يَقولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ} [فصلت: ٥١].

يَقُولُ المفسِّرُ رَحِمَهُ اللهُ: [{وَنَأَى بِجَانِبِهِ} أي: ثَنَي عِطفَهُ مُتبخْتِرًا] يَعني: أَعْرضَ بِبَدَنه وبقَلْبِه مُفْتخِرًا مُتعاظِمًا هَذا بِالنِّسبةِ لحِالِه، وبِالنِّسبةِ لمِا يُطلبُ مِنه مِنَ الشُّكرِ يُعرضُ ولا يَشكُرُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ، وهذه حالُ كَثيرٍ مِن بَني آدَمَ؛ ولهِذا عَمَّمها اللهُ قالَ: {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ} لِأنَّ أَكثَرَ بَني آدَمَ عَلى هذه الحالِ.

وقَولُه: {وَنَأَى} في التَّفسيرِ: [(ناء)] يَقُولُ المُفسِّرُ رَحِمَهُ اللهُ: [وَفي قِراءةٍ بِتَقديمِ الهمزةِ] في قِراءةِ سَبْعيَّةٍ، واعلمْ أنَّ اصطلاحَ المفسِّر رَحِمَهُ اللهُ أَنَّه إِذا قال: "وفي قِراءةٍ"


(١) انظره في غريب الحديث للخطابي (١/ ٣٤٦)، والفائق للزمخشري (١/ ٣١٤) غير منسوب.

<<  <   >  >>