للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقَولُه: {إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} يَقولُ المُفسِّرُ رَحِمَهُ اللهُ: [أي: القرآن] وتَبَيَّن لَكم ذَلكَ واتَّضحَ، {ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ} أَتَي بـ "ثُمَّ" الدَّالَّةِ علَي التَّرتيبِ والتَّراخي إِشارةً إلي أَنَّ هَؤلاءِ أَنكروا وكَفَروا بَعدَ التَّروِّي وبَعدَ المُدَّة الَّتي يُؤمنُ بِها مَن أَرادَ الإيمانَ.

وقَولُه: {بِهِ} الضَّميرُ يَعودُ عَلى القُرآنِ ويَجوزُ أَن يَكونَ عائدًا إلي الرَّسولِ - صَلَّى اللهُ عليه وعَلى آلِه وسَلَّم-؛ لِأنَّه هو الَّذي نَزَلَ عليه القُرآنُ.

{مَنْ أَضَلُّ} يَقولُ المُفسِّرُ رَحِمَهُ اللهُ: [أي: لا أحد {أَضَلُّ}]، إِشارةٌ إلي أنَّ الِاستفهامَ هُنا بمَعنَي النَّفيِ، واعلَم أَنَّ الِاستفهامَ يَأتي بِمعنَي النَّفيِ كَثيرًا وَإِتيانُه في مَوضعِ النَّفيِ أَعظمُ مِنَ النَّفيِ؛ لِأنَّه إذا أَتَي الِاستفهامُ في مَوضعِ النَّفيِ صارَ مُشربًا مَعنَي التَّحدِّي كَأنَّه قالَ: أَروني أحدًا أَضَلَّ، وهذا لا شكَّ أَنَّه مُشتَمِلٌ علي النَّفيِ وعلى التَّحدِّي.

وقال: {مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} {مَنْ} مُبتدأٌ اسمُ استِفهامٌ وَ {أَضَلُّ} خَبرُهُ، {مِمَّنْ هُوَ} أي: مَنِ الَّذي هو في {شِقَاقٍ}، يَقولُ المُفسِّرُ رَحِمَهُ اللهُ: [خلافٍ {بَعِيدٍ}] بَل شِقاقٍ أَخَصُّ مِنَ الخِلافِ؛ لِأنَّه قَد يُخالِفُك ولا يُشاقُّك ولَكِنَّ هَؤلاءِ خالَفوا وشاقُّوا.

وقولُه: {بَعِيدٍ} يَقولُ المُفسِّرُ رَحِمَهُ اللهُ: [{بَعِيدٍ} عَنِ الحقِّ أَوقعَ هَذا مَوقِعَ منكم بَيانًا لحِالهِم]، يُريدُ أَوقعَ: {مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} مَوقِعَ مِنكُم؛ أي: مَوقِعَ الضَّميرِ، فَهو إِظهارٌ في مَوضعِ الإِضمارِ لِبيانِ حالهِم؛ أَي: بَيانُ أَنَّهم هُم أَضلُّ من كُلِّ أَحدٍ وأنَّ حالَهم الشِّقاقُ البَعيدُ فَفيهِ إِظهارٌ في مَوضِعِ الإِضمارِ.

<<  <   >  >>