للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولهِذا اختَلفَ فيها النُّظَّارُ مِنَ المُتكلِّمينَ والفَلاسِفَةِ وغَيرِهِم، مِنهم مَن قال: إِنَّ النَّفسَ هي الدَّمُ، ومِنهم مَن قال: إِنَّ النَّفسَ جُزءٌ مِنَ البدنِ، ومِنهُم مَن قالَ: إِنَّ النَّفسَ عَرَضٌ في البدنِ، ومِنهم مَن قال: إِنَّ النَّفس لا توصَفُ بِشيءٍ فَلا هي داخلُ العالَمِ، ولا خارِجُه ولا مُتَّصلَةٌ ولا مُنفصلَةٌ، إِلي آخِر ما يَقولونَ في النَّفيِ المُطلَقِ، ومنهم مَن قال: إِنَّ النَّفس مخَلوقٌ مِن مخَلوقاتِ اللهِ وأَنَّها ذاتُ جُرمٍ وأَنَّها تَدخُلُ في البدَنِ وتَسيرُ فيهِ كَما تَسيرُ الجَمرُ في الفَحمِ أَوِ الماءُ في المَدَرِ.

وَيَدُلُّ لِذلكَ أَنَّ النَّبيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَخبرَ أَنَّ الإِنسانَ إِذا قُبِضَ أُخِذَت نَفسُه، أَخَذَتها المَلائِكَةُ وجَعَلَتها في كَفَنٍ وحَنوطٍ وأَنَّه إِذا قُبِضَ اتَّبَعهُ البَصرُ، وهَذا يَدُلُّ عَلى أَنَّها شَيءٌ مَخَلوقٌ لَه جُرمٌ وجَسَدٌ، لَكِننا مَع ذلك لا نَعلَمُ مِنها إِلَّا قَليلًا، ولِهذا لمَّا سَألوا عَنِ الرُّوحِ قالَ اللهُ تَعالَى: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: ٨٥].

الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أَنَّ القُرآنَ والرَّسولَ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وعلى آلِهِ وسَلَّم- حَقٌّ؛ لقَولِه: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}.

الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: أنَّ الآياتِ الدَّالَّةَ عَلى ذَلكَ: آياتٌ توصِّلُ إلي اليَقينِ لِقولِه: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ} التَّبَيُّن أي: الوُضوحُ والظُّهور، ومنه قَولُه تَعالَى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} [البقرة: ١٨٧] فَإذا عَلِمتَ أَنَّك لَم تَصِل إلي اليَقينِ فاتَّهِم نَفسَكَ، وعَلَيكَ أَن تُعالِجَ هَذا المَرضَ العُضالَ الخَطيرَ حَتَّى تَصِلَ إلي اليَقينِ؛ حَتَّى تَصِلَ إلي ما يَدُلُّ عَليه قَولُ الرَّسولِ - صَلَّى اللهُ عَليه وعلى آلِه وسَلَّم-: "أَن تَعبُدَ اللهَ كَأنَّك تَرا، فَإِن لَم تَكُن تَراه فَإِنَّه يَراكَ" (١).


(١) أخرجه البخاري: كتاب الإيمان، باب سؤال جبريل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإيمان، رقم (٥٠)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب معرفة الإيمان، رقم (٩)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>