للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قولُه تَعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} جَمَعَ اللهُ تَعالى بيْن العَقِيدةِ والعَمَلِ، بيْن الإيمانِ والإسْلامِ، فـ {آمَنُوا}: العَقيدَةُ، و"عمِلوا الصَّالحاتِ": الإسْلامُ. وهَذا يقَعُ في القُرآنِ كثِيرًا؛ فالإيمانُ وحدَه لا يَكفِي، بل لا بُدَّ مِن عمَلٍ صالِحٍ حتَّى يَحصُلَ الثَّوابُ، وكلَّما جاءَت "آمَنُوا" فالمُرادُ: آمَنُوا بما يَجِبُ الإيمانُ به منَ الأصُولِ السِّتَّةِ الَّتي بيَّنها الرَّسولُ -صلَّى اللهُ علَيهِ وعلى آلِهِ وسلَّمَ- لجِبريلَ عَلَيهِ السَّلام حِينَ قال: "الإيمانُ أنْ تُؤمِنَ باللهِ وبمَلاِئكتِه وكُتُبِه ورُسُلِه واليَومِ الآخِرِ وتُؤمِنَ بالقَدَرِ خيرِه وشرِّه" (١)؛ وذلك لأنَّ الإيمانَ المُجمَلَ في القُرآن يُفسِّرُه تَفْصيلُ السُّنَّة؛ لأنَّه لا أحدَ أعْلمُ بكِتابِ الله مِن رسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -.

أمَّا قوْلُه: {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}، فمَعلومٌ أنَّ "الصَّالحاتِ" وَصْفٌ لمَوصُوفٍ مَحذُوف، والتَّقدير: الأعْمال الصَّالحات؛ فما هي الأعْمالُ الصَّالحاتُ؟

الجَوابُ: الأعْمالُ الصَّالحاتُ هي ما جَمعَتْ شرطَين:

الأوَّلُ: الإخْلاصُ لله عَزَّ وجلَّ.

والثَّاني: المُتابعةُ لرسُولِ اللهِ -صلَّى اللهُ علَيهِ وعلى آلِهِ وسلَّمَ-.

فكُلُّ عمَل فيه شِرْكٌ، فإنَّه ليْس بصالحٍ، وهُو مردُودٌ على صاحبِه؛ لقَولِ الله تَعالى في الحديثِ القُدسيِّ: "أنا أغنَى الشُّركاءِ عنِ الشِّركِ، مَن عمِلَ عمَلًا أشرَك فيه معِي غيرِي ترَكتُه وشِركَه" (٢).

وكذَلِك أيضًا فلا بُدَّ مِن اتِّباعِ الرَّسولِ، فالعَملُ البِدعيُّ غيرُ مقبُولٍ وإنْ


(١) أخرجه مسلم: كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان والإسلام، رقم (٨)، من حديث عمر - رضي الله عنه -
(٢) أخرجه مسلم: كتاب الزهد، باب من أشرك في عمله غير الله، رقم (٢٩٨٥)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>