للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النَّاسِ بيْن طلَبةِ العِلمِ وبيْن عامَّةِ النَّاسِ، وبيْن الَّذِين لم يَتَمكَّنوا منَ العِلمِ كَثيرًا؛ فنَحْن نَقُولُ:

أوَّلًا: البَحْثُ العَمِيقُ في هَذا والجَدَلُ في هَذا، أمْر لا يَنْبَغي وَلا فائِدةَ مِنه.

ثانيًا: عِندما نُريدُ أنْ نُحقِّقَ المَسْألةَ تَحقِيقًا عِلْميًّا نَظرِيًّا نَنظُر إلَى الآياتِ، فإِذا كان ظاهِرُ قَولِه تَعالَى: {أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} يَقتَضي أنَّها تدُور قُلْنا بذلِك ولا حَرَجَ، ولا مانِعَ أنْ نَقُولَ: هِي تَدُورُ، وكذَلِك الشَّمْسُ، فنكُونُ أخذْنا بظاهِرِ القُرْآنِ في الشَّمْسِ وبِظاهِرِ {أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} في الأرْضِ، وإذا كان قَولُه: {أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} لا يَتَعيَّنُ أنْ يَكونَ بِحَرَكَتِها، وإنَّما قَد تَضْطَربُ وهِي ساكِنَة قارَّةٌ؛ فَلا يَبْقى في الآيَةِ دَلِيلٌ على أنَّ الأرْضَ تَدُورُ.

فَإنْ قال قائِلٌ: ألَا يُمكِن أنْ نُقِرَّهم على قَولهِم بأنَّ الشَّمْسَ ثابِتَةٌ؟

فالجَوابُ: نحْن نَقُولُ: لا نُقرُّهم على أنَّ اختِلافَ اللَّيلِ والنَّهارِ يكُونُ باخْتِلافِ دَورَةِ الأرْضِ، بلْ نَقُولُ بِاخْتِلافِ طُلُوعِ الشَّمْسِ على الأرْضِ، ولا يَمْنعُ أنْ تَكونَ الأرْضُ تَدُورُ، لكِن لَو فُرِضَ أَنَّه جاءَنا دَلِيل حِسِّيٌّ مَلمُوسٌ على أنَّ اختِلافَ اللَّيلِ والنَّهارِ بِسَبَبِ دَورَةِ الأرْضِ لَقُلنا بِه، ويَكونُ إضافةُ الأفْعالِ هذِه إلَى الشَّمْسِ على حسْبِ رُؤَيةِ الإنْسانِ لَها.

والآنَ إذا قَرَأْنا قوْلَه تَعالَى: {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ} [الكهف: ١٧]، هَذه فِيها أرْبَعةُ أفْعالٍ أُضِيفَت كلُّها إلَى الشَّمسِ. والأصْلُ أنَّ الأفْعالَ مُضافةٌ إلَى الشَّيْءِ أنَّها قائِمةٌ بِه، فالشَّمسُ هِي الَّتي تَطْلُع، وهُم يَقولون: لا، الشَّمْسُ لا تَطْلُع علَيْنا، بلْ نَحْن الَّذِين نَطلُعُ علَيْها بِسبَبِ دَوَرانِ الأرْضِ، فالقُرْآنُ لا يُخالِفُ الحِسَّ أبَدًا، وتُفَسَّرُ الأفْعالُ المُضافَةُ إلَى

<<  <   >  >>