وقَولُه رَحِمَهُ اللَّهُ: [أيْ بِأنْ لا {تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قَالُوا}، أفادَنا المُفسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ أنَّ (أنْ) هُنا مَصْدَريَّة، والتَّقدِيرُ: أنْاَ تَعبُدوا، أي: جاءَتْهم بِعَدمِ عِبادةِ غيرِ اللهِ. ويَحتَمِلُ أنْ تَكُونَ (أنْ) تَفسِيريَّةً؛ لأنَّه سَبَقها مَعنَى القَولِ دُون حُرُوفِه؛ لِأنَّ الرُّسُلَ جاؤُوا بِكَلامٍ وَوَحْيٍ يَتكلَّمون به، ففِيه مَعنَى القَولِ دُون حُرُوفِه، وكُلَّما جاءَتْ (أنْ) بَعْد ما فِيه مَعنَى القَولِ دُون حُرُوفِه، فَإنَّهم يُسمُّونَها تَفْسِيريَّةً، مِثْل قَولِه تَعالَى: {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا} [المؤمنون: ٢٧]، أَوْحَينا أنِ اصْنَعِ الفُلْكَ {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي} [النحل: ٦٨] فـ (أَنْ) هُنا تَفْسِيرَّية، فكُلَّما جاءَتْ بَعد ما تَضمَّن مَعنَى القَوْلِ دُون حُروفِه؛ فإنَّها تَكونُ تَفسِيريَّةً.
إذَنْ: (أنْ) هُنا يَحتَمِلُ أنْ تَكُونَ مَصدَريَّةً كَما مَشَى عَلَيها المُفسِّرُ، وأنْ تَكونَ تَفسِيريَّةً، يَنبَنِي على هَذا الخِلافِ كَيف نُعرِبُ (لا)، إنْ أعْرَبْنا (أن) مَصدَرِّيةً ف (لا) نافِيةٌ والفِعْلُ مَنصُوبٌ بأنْ، وإنْ أعَرَبْناها تَفسِيريَّةً ف (لا) ناهِية، والفِعْلُ مجَزُومٌ ب (لا)، فإِعْرابُ (تَعْبُد) إذَن يَتَنزَّلُ على الخلافِ في (أنْ)، إذا جَعلْناها تَفسِيريَّةً يَكونُ الفِعلُ مجَزُومًا ب (لا) النَّاهيَةِ، وإذا أعرَبْنا (أنْ) مَصدرِيَّةً ف (تَعْبُد) مَنصُوبة ب (أنْ)، وتَكونُ على هَذا (لا) نافِيةً بالفِعْلِ، وعلى الأوَّلِ تَكونُ ناهِيةً.
قال اللهُ تَعالَى: {أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قَالُوا} إلَى آخِرِه، لا تَعبُدوا إلَّا اللهَ هُو مَعنَى قَولِ: لا إلَهَ إلَّا اللهُ؛ لِأنَّ (لا إِلَه) بمَعنَى لا مَعبُودَ حَقّ إلَّا اللهُ، وهَؤُلاء يَقولُونَ: لا تَعبُدوا إلَّا اللهَ فهِي بمَعنَى لا إلَهَ إلَّا اللهُ، وهِي بمَعنَى قَولِه تَعالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: ٢٥]، ومتَى حقَّقَ الإنْسانُ هَذه الكَلِمةَ؛ لا إلَهَ إلَّا اللهُ، فلا بُدَّ أنْ يَقومَ بطاعَةِ اللهِ، لا بُدَّ، ما دُمْتَ تَشْهدُ بأَنَّه لا إلَهَ إلَّا اللهُ فَلا بُدَّ أنْ تَتَّخِذَ الوَسائِلَ الَّتي تُوصِلُكَ إلَى هَذا الإلَه الَّذي شَهِدْتَ أَنَّه لا إلَهَ سِواه.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute