لمْ تَتناسَبِ الفَواصِلَ، ولمَّا قال: {بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} تَناسَبتِ الفَواصِلُ، ومُراعاةُ المُناسَبةِ أمْر ثابِتٌ؛ أرَأيتُم مُوسَى وهارُون؟ الأفْضَلُ مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وهُو الَّذي يُقدَّمُ في القرآن إلَّا في آيَةٍ واحِدةٍ مِن أجْلِ التَّناسُبِ في سُورةِ طه، ذَكَرَ اللهُ عَن السَّحَرةِ أنَّهم قالوا: {آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى} [طه: ٧٠]، مَع أنَّهم كَانوا قالوا: "آمَنَّا برَبِّ مُوسى وهارُون"، هَذا قَولُ السَّحَرةِ، لكِن لمَّا نقَلَه اللهُ عَنْهم في سُورَةِ طه، قَدَّم ذِكْرَ هارُون لِتَناسُبِ الآياتِ مَع أنَّ مُوسى أفْضَلُ، ومُوسَى هُو الَّذي نَطَقَ بتَقدِيمِه السَّحَرةُ، كَما في آياتٍ عدَّةٍ، لكِن الله عَزَّ وَجَلَّ نَقَل كَلامَهم في سُور طه مُقدِّمًا هارُون على مُوسى لِتَناسُب الفَواصِلِ هُنا.
الوَجْهُ الثَّاني: الحَصْرُ، كَأنَّ هؤُلاء المُكذِّبين المُعانِدين قالُوا: لَو أَنَّا آمنَّا بكُلِّ شَيءٍ لكَفَرنا بما أُرسِلتُم به، فكَأنَّهم يَقولُون: لا نَكفُرُ بأيِّ شَيْءٍ إلَّا بِما أُرسِلتُم به، وتَقدِيمُ ما حقُّه التَّأخِيرُ يُفيدُ الحَصْرَ، انْظُر إلَى العِنادِ، قالُوا: {بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} كَأنَّهم قالُوا: لا نَكَفُر إلَّا بما أُرسِلتُم به، هَذا مَعنَى الحَصْر، فيَكونُ هَذا أبْلَغُ في العِنادِ، كأنَّهم يَقولُون: لو آمنَّا بكلِّ شَيْءٍ، فلَن نُؤمِن بِما أُرْسِلتم به.
ثُمَّ إنَّ قَولَه: {بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ}، قالُوه على سَبِيل التَّنزُّلِ؛ ولِهَذا قال المُفَسِّرُ: [على زَعمِكُم]، وإنَّما قُلْنا: إنَّهم قالُوه على سَبِيلِ التَّنزُّلِ؛ لأنَّهم لَو قالُوه على سَبيلِ الإقْرارِ لكانُوا مُؤمِنين.
في هَذه الآيَةِ أُمِرَ النَّبيُّ -صلَّى اللهُ علَيهِ وعلى آلِهِ وسلَّمَ - أنْ يُنذِرَ هَؤلاء المُكذِّبين بِعذابِ مَن قَبْلِهم لِقَولِه: {فَقُل أَنْذَرْتُكُمْ} [فصلت: ١٣].
فإِنْ قالَ قائِلٌ: كَلامُ الله عَنْ قَومِ عادٍ وثَمُودَ {فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ}؛ هَل هُو اللَّفْظُ الَّذي قالَه القَومُ أمْ أنَّ هذا لِسانُ حالِهم؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute