للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هُم أيْضًا مخُالِفون لِلعَقلِ؛ لِأنَّه لَولا ثُبُوتُ القِياسِ لَكانتِ الشَّرِيعةُ ناقِصةً، حَيْث لَم تَجمَعْ بيْن المُتماثِلين. إذَن في الآيَةِ إثْبات القِياسِ.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أنَّ الرُّسُلَ أَتَوا قَومَهم مِن كُلِّ جانِبٍ، مُقبِلِين ومُدبِرين، يُرونَهم الآياتِ الماضِيةِ والآياتِ المُستَقبَلةِ، ولكِن لا فائِدةَ.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أنَّ الرُّسُلَ صَلَواتُ اللهِ وسَلامُه علَيْهم أَتَوا بتَحقِيقِ التَّوحِيدِ لِقَولِه: {أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ}، وهَذِه هِي الأصْلُ الأصِيلُ الَّذي دَعَت إلَيْه الرُّسُلُ جَمِيعًا، والدَّلِيلُ على ذَلِك {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: ٣٦]. وآيَةٌ أصْرَح مِنْها: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: ٢٥].

الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أنَّ أهْلَ الباطِلِ يُشبِّهون بما لَيس لَه حَقِيقةٌ، وذَلِك حِين رَدُّوا دَعْوةَ الرُّسُلِ بما لا يَصِحُّ أنْ يَكونَ رَدًّا، ف {قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً}، فَهَذه الشُّبهَةُ لَيْست بِحُجَّةٍ، بِدَلِيلٍ أنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقولُ في آيَةٍ أُخرَى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} [الأنعام: ٩]، وحِينَئذٍ لَو أنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مَلَكًا لجَعلَه رَجُلًا ولَعادَتِ الشُّبْهةُ.

الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: شِدَّةُ عِنادِ المُكذِّبين لِصالِحِ وعادٍ وهُودٍ، ووَجْهُه: أنَّهم حتَّى مَع إثْباتِ الرِّسالةِ لهم، فهُم مُصِرُّون على عِنادِهم، وعَدَم إِيمانِهم بهَؤُلاء الرُّسُلِ، ووَجْهٌ آخَرَ كَأنَّهم يَقولون لِعِنادِهم: لَو آمَنَّا بكُلِّ شَيءٍ، لمْ نُؤمِن بما أُرسِلْتم بِه، يَعنِي: بما أُرسِلتُم به خاصَّة، ووَجْه الخُصُوصِيَّةِ تَقدِيمُ الجارِّ والمَجْرُورِ على مُتعَلِّقه، وأيْضًا مِن مَظاهِر العِنادِ لهِؤُلاء أنَّهم أكَّدُوا كُفْرَهم بـ "إنَّ" {فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ}، فَصارَ

<<  <   >  >>