للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المعنى اللغوي وأن إطلاق الموجود عليه حقيقة أو مجازاً فإن ذلك ليس من المباحث العقلية في شيء.

فتلخص من هذا أن الوجود الذي هو مبدأ اشتقاق الموجود أمر واحد في نفسه وهو حقيقة خارجية، والموجود أعم من هذا الوجود القائم بنفسه وهو مما ينتسب إليه انتساباً خاصاً وإذا حمل كلام الحكماء على ذلك لم يتوجه عليه أن المعقول من الموجود أمر اعتباري هو وصف للموجودات وهو الذي جعلوه أول الأوايل البديهية، فإطلاق الموجود على تلك الحقيقة القائمة بذاتها إنما يكون بالمجاز أو بوضع آخر، ولا يجدي ذلك في استغناء الواجب عن عروض الوجود والمفهوم المذكور أمر اعتباري، فلا يكون حقيقة الواجب تعالى.

[بحث في القبلتين]

قوله تعالى: " وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه " قد اتفق الكل على أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى صخرة بيت المقدس بعد الهجرة مدة ثم أمر أهل البيت رضي الله عنهم، أنها كانت بيت المقدس، ثم لا يخفى أن الجعل في الآية الكريمة جعل مركب لا بسيط وقوله تعالى: كنت عليها ثاني مفعوليه كما نص عليه صاحب الكشاف واختلفوا في المراد بهذا الموصول؛ فأئمتنا سلام الله عليهم على أن المراد ببيت المقدس ما يجعل في الآية هو الجعل المنسوخ، وأما القائلون بأنه كان صلى الله عليه وسلم يصلي بمكة إلى الكعبة فالجعل عندهم يحتمل أن يكون جعلاً منسوخاً باعتبار الصلاة في المدينة مدة إلى بيت المقدس، وأن يكون جعلاً ناسخاً باعتبار الصلاة بمكة.

أقول: وبهذا يظهر أن جعل البيضاوي رواية ابن عباس دليلاً على جواز كون الجعل منسوخاً كلام لا طايل تحته، وصاحب الكشاف لما قرر ما يستفاد منه جواز إرادة الجعل الناسخ والمنسوخ نقل الرواية عن ابن عباس، وغرضه بيان مذهبه في تفسير هذه الآية كما ينقل مذهبه في كثير من الآيات، فظن البيضاوي أن مراده الاستدلال على جواز إرادة الجعل المنسوخ.

قال بعض الحكماء لبنيه: لا تعادوا أحداً وإن ظننتم أنه لا يضركم ولا تزهدا في صداقة أحد وإن ظننتم أنه لا ينفعكم، فإنكم لا تدرون متى تخافون عداوة العدو، ولا متى ترجون صداقة الصديق.

وقيل للمهلب: ما الحزم؟ فقال: تجرع الغصص إلى أن تنال الفرص. ومن كلامهم ما تزاحمت الظنون على شيء مستور إلا كشفته.

لما تقدم الحلاج إلى القتل قطعت يده اليمنى، ثم اليسرى، ثم رجله فخاف أن يصفر وجهه من نزف الدم فأدنى يده المقطوعة من وجهه فلطخه بالدم ليخفي اصفراره.

وأنشد

لم أسلم النفس للأسقام تبلغها ... إلا لعلمي بأن الوصل يحييها

نفس المحب عل الآلام صابرة ... لعل مسقمها يوماً يداويها

فلما صلب إلى الجذع قال:

يا معين الضنى علي ... أعني على الضنى

ثم جعل يقول: مالي جفيت وكنت لا أجفى ... ودلايل الهجران لا تخفى

وأراك تمزجني وتشربني ... ولقد عهدتك شاربي صرفا

فلما بلغ به الحال أنشأ يقول:

لبيك يا عالماً سري ونجوائي ... لبيك لبيك يا قصدي ومعنائي

أدعوك بل أنت تدعوني إليك فهل ... ناجيت إياك أم ناجيت إيائي

حبي لمولاي أضناني وأسقمني ... فكيف أشكو إلى مولاي مولائي

يا ويح روحي من روحي ويا أسفي ... علي مني فإني أصل بلوائي

قيل لعمر بن عبد العزيز: ما كان بدء توبتك؟ فقال: أردت ضرب غلام لي، فقال لي: يا عمر اذكر ليلة صبيحتها يوم القيامة.

من المستطهري للغزالي: حكى عبد الله بن إبراهيم بن عبد الله الخراساني، قال: حججت مع أبي سنة حج الرشيد، فإذا نحن بالرشيد، واقف حاسر حاف على الحصباء وقد رفع يديه وهو يرتعد ويبكي ويقول: يا رب أنت أنت، وأنا أنا، أنا العواد بالذنوب وأنت العواد بالمغفرة، اغفر لي فقال لي أبي: انظر إلى جبار الأرض كيف يتضرع إلى جبار السماء؟ ! ومنه أيضاً: شتم رجل أبا ذر، فقال له أبو ذر: يا هذا إن بيني وبين الجنة عقبة، فإن أنا جزتها فوالله ما أبالي بقولك، وإن هو صدني دونها فإني أهل لأشد مما قلت لي.

ثم أقول: إن في كلام الإمام الرازي في تفسيره الكبير في هذه الآية نظراً أيضاً فإنه فسر الجعل بالشرع والحكم أي: وما شرعنا القبلة التي كنت عليها وما حكمنا عليك بأن تستقبلها إلا لنعلم؛ ثم قال إن قوله تعالى: " التي كنت عليها ليس نعتاً للقبلة وإنما هو ثاني مفعولي جعلنا، وأنت خبير بأن أول كلامه مناف لآخره فتأمل به.

<<  <  ج: ص:  >  >>