قلت يا أبا عبد الله أوصني فقال: أوصيك بتسعة أشياء: فإنها وصيتي لمريدي الطريق إلى الله تعالى والله أسأل أن يوفقك لاستعماله، ثلاثة، منها في رياضة النفس، وثلاثة منها في الحلم، وثلاثة منها في العلم، فاحفظها وإياك والتهاون بها.
قال عنوان: ففرغت قلبي له قال: أما اللواتي في الرياضة فإياك أن تأكل ما لا تشتهيه فإنه يورث الحماقة والبله، ولا تأكل إلا عند الجوع، وإذا أكلت فكل حلالاً، وسم الله، وذكر حديث الرسول: ما ملأ آدمي وعاء شراً من بطنه، فإن كان ولابد، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه.
فأما اللواتي في الحلم، فمن قال لك إن قلت واحدة سمعت عشراً، فقل له: إن قلت عشراً لم تسمع واحدة. ومن شتمك فقل: إن كنت صادقاً فيما تقول فأسأل الله أن يغفر لي وإن كنت كاذباً فيما تقول فأسأل الله أن يغفر لك، ومن وعدك بالخنا فعده بالنصيحة والدعاء.
وأما اللواتي في العلم فاسأل العلماء ما جهلت، وإياك أن تسألهم تعنتاً وتجربة وإياك أن تعمل برأيك شيئاً وخذ بالاحتياط في جميع ما تجد إليه سبيلاً، واهرب من الفتيا هربك من الأسد ولا تجعل رقبتك في الناس جسراً: قم عني يا أبا عبد الله فقد نصحت لك ولا تفسد علي وردي فإني امرؤ ضنين بنفسي، والسلام على من اتبع الهدى منقولة كله من خط س.
إن أرباب الأرصاد الروحانية أعلى شأناً وأرفع مكاناً من أصحاب الأرصاد الجسمانية فصدق هؤلاء أيضاً فيما ألقوه إليك مما دلت عليه أرصادهم، وأدى إليه اجتهادهم، كما تصدق أولئك السيد الرضي.
خذي نفسي يا ريح من جانب الحمى ... ولاقي بها ليلاً نسيم ربى نجد
فإن بذاك الحي حبي عهدته ... وبالرغم من أن يطول به عهدي
ولولا تداوي القلب من ألم الجوى ... بذكر تلاقينا قضيت من الوجد
في الحديث لا يترك الناس شيئاً من أمر دينهم لاستصلاح دنياهم إلا فتح الله عليهم ما هو أضر منه.
[النفوس أربعة]
عن كميل بن زياد قال: سألت مولانا أمير المؤمنين رضي الله عنه فقلت: يا أمير المؤمنين أريد أن تعرفني نفسي فقال: يا كميل وأي الأنفس تريد أن أعرفك؟ قلت: يا مولاي وهل هي إلا نفس واحدة؟ قال رضي الله عنه: يا كميل إنما هي أربعة: النامية النباتية، والحسية