قال النفيسي في بحث الصداع: والصداع الذي يكون عن دود متولد في مقدم الدماغ مؤذ بحركته وتمزيقه يكون مع نتن في رائحة الأنف لأن الدود إنما يتولد من رطوبة قد تعفنت بالحرارة الغريبة. فينفصل عنها قبل استحالتها إلى الدود عما لم يستحل قبل أبخرة نتنه إنتهى كلامه. وفي قوله عما لم يستحل قبل نظر فإن هذا هو بعينه ما قبل الاستحالة، والصواب إبدال لفظ قبل ببعد ويمكن التكلف في إصلاح كلامه: بأن مراده أن الأبخرة ينفصل عن جميع تلك الرطوبة قبل استحالة شيء منها دوداً، وعن بعضها وهو ما لم يستحل قبل إذا استحال البعض الآخر وهو كما ترى.
قوله والصواب الخ هنا مسامحة من وجهين: الأول أن الأقرب إبدال لفظ قبل ببعد فإن قوله عما لم تستحل متروك، الثاني أن التكلف تكلف. كما قاله سلمه الله.
[وصف القرآن]
قال الإمام الراغب: القرآن منطو على الحكم كلها علميها وعمليها، كما قال جل وعلا " وكل شيء أحصيناه في إمام مبين " لكن ليس يظهر ذلك إلا للراسخين وما من برهان ودليل وتقسيم وتحديد في المعلومات العقلية والسمعية الا وكلام الله قد نطق به وأورده تعالى على عادة العرب دون دقائق طرق الحكماء والمتكلمين: لأمرين أحدهما ما أشار إليه سبحانه بقوله: " وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه " والثاني: أن المائل إلى دقيق المحاجة وهو العاجز عن إقامة الحجة بالجليل من الكلام فإن من استطاع أن يفهم بالأوضح الذين يفهمه الأكثرون لم يتحظ إلى الأدق، وقد ورد القرآن العظيم في صورة جلية تحتها كنوز خفية، لتفهيم العامة من جليه ما يقنعهم، ويفهم الخواص من دقائقه ما يزيد على ما أدركه فهم الحكماء بمراتب شتى، ومن هذا الوجه كل من كان حظه في العلوم أوفر كان نصيبه من القرآن أكثر، وكذلك إذا ذكر سبحانه حجة اتبعها، مرة بالإضافة إلى أولي العلم، ومرة إلى ذوي العقل، ومرة إلى المتفكرين ومرة إلى المتذكرين. وبالجملة قد انطوى على أصول الأولين والآخرين، وأبناء السابقين واللاحقين. وفيه تجلى الله لعباده المؤمنين، وهو حبل الله المتين، والذكر الحكيم والصراط المستقيم، وهو الذي تدفع الأهواء والشبهة عن العلماء، ولكن محاسن أنواره لا يفقهها إلا البصائر الجلية، ولطائف ثماره لا يقطفها إلا الأيدي الزكية، ومنافع شفائه لا ينالها إلا الأنفس التقية:" إنه لقرآن كريم لا يمسه إلا المطهرون "