إذا أثنى عليك المرء يوماً ... كفاه من تعرضه الثناء
أفيعلم ابن جدعان ما يراد منه بالثناء عليه ولا يعلم الله ما يراد منه بالثناء عليه.
من الإحياء قال الحجاج عند موته: اللهم اغفر لي فإنهم يقولون: إنك لا تغفر لي وكان عمر بن عبد العزيز يعجبه هذه الكلمة منه ويغبطه عليها.
ولما حكي ذلك للحسن البصري، قال: قالها، فقيل: نعم، قال: عسى.
من كلام بعض الحكماء: الموت كسهم مرسل عليك وعمرك بقدر مسيره إليك.
[حكماء الهند]
من الملل والنحل في ذكر حكماء الهند: ومن ذلك أصحاب الفكرة، وهم أهل العلم منهم بالفلك والنجوم وأحكامها.
وللهند طريقة تخالف طريقة منجمي الروم والعجم وذلك: أنهم يحكمون أكثر الأحكام باتصالات الثوابت دون السيارات، وينسبون الأحكام إلى خصايص الكواكب دون طبايعها، ويعدون زحل السعد الأكبر وذلك لرفعه مكانه، وعظم جرمه، وهو الذي يعطي العطايا الكلية من السعادة الخلية من النحوسة، فالروم والعجم يحكمون من الطبايع، والهند يحكمون من الخواص، وكذلك طبهم، فإنهم يعتبرون خواص الأدوية دون طبايعها، وهؤلاء أصحاب الفكرة يعظمون أمر الفكر؛ ويقولون: هو المتوسط بين المحسوس والمعقول والصور من المحسوسات ترد عليه والحقايق من المعقولات ترد عليه أيضاً، فهو مورد المعلمين من العالمين ويجتهدون كل الجهد حتى يصرف الوهم والفكر عن المحسوسات بالرياضات البليغة والاجتهادات المجهدة، حتى إذا تجرد الفكر عن هذا العالم تجلى له ذلك العالم، فربما يخبر عن مغيبات الأحوال وربما يقوى على حبس الأمطار، وربما يوقع الوهم على رجل حي فيقتله في الآن في الحال ولا يستبعد ذلك فإن للوهم أثراً عجيباً في تصريف الأجسام والتصرف في النفوس. أليس الاحتلام في تصرف الوهم في الجسم؟ أليس الإصابة بالعين تصرف الوهم في الشخص؟ أليس الرجل يمشي على جدار مرتفع فيسقط في الحال ولا يأخذ من عرض المسافة في خطواته سوى ما أخذه على الأرض المستوية، والوهم إذا تجرد، عمل أعمالاً عجيبة ولهذا كانت أهل الهند تغمض عينها أياماً لئلا يشغل الفكر والوهم بالمحسوسات ومع التجرد إذا اقترن به وهم أخر اشتركا في العمل،