نظروا صنيع الله بي فعيونهم ... في جنة وقلوبهم في نار لا ذنب لي قد رمت كتم فضائلي ... فكأنما برقعت وجه نهار
وسترتها بتواضعي فتطلعت ... اعناقها تعلوا على الاستار
هذا آخر ما اخترته من هذه القصيدة نحوا من مأة بيت كلها في غاية الجودة.
[وصف المتقين]
من النهج روى ان صاحباً له كرم الله وجهه يقال له همام وكان عابداً فقال له يا أمير المؤمنين صف لي المتقين كأني انظر اليهم، فتثاقل صلوات الله عن جوابه، وقال يا همام اتق الله واحسن " فان الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون "، فلم يقنع همام بذلك القول حتى عزم عليه قال: فحمد الله واثنى عليه وصلى على النبي ثم قال، اما بعد فان الله سبحانه خلق الخلق حين خلقهم غنياً عن طاعتهم آمناً من معصيتهم، لأنه لا تضره معصية من عصاه، ولا تنفعه طاعة من اطاعه فقسم بينهم معايشهم ووضعهم في الدنيا مواضعهم، فالمتقون فيها هم اهل الفضايل منطقهم الصواب، وملبسهم الاقتصاد، ومشيهم التواضع غضوا ابصارهم عما حرم الله عليهم ووقفوا اسماعهم على العلم النافع لهم نزلت انفسهم في البلاء كالذي نزلت في الرخاء، لولا الاجل الذي كتب الله لهم لم تستقر ارواحهم في اجسادهم طرفة عين شوقاً إلى الصواب وخوفاً من العقاب عظم الخالق في انفسهم فصغر ما دونه في اعينهم فهم والجنة كمن قد رآها فهم فيها منعمون وهم والنار كمن قال قد رآها فهم فيها معذبون قلوبهم محزنونة وشرورهم مامونة وأجسادهم نحيفة، وحاجاتهم خفيفة وأنفسهم عفيفة صبروا إياماً قصيرة اعقبتهم راحة طويلة تجارة مربحة يسرها لهم ربهم، ارادتهم الدنيا فلم يريدوها واسرتهم ففدوا انفسهم منها اما الليل فصافون اقدامهم تالون لأجزاء القرآن يرتلونها ترتيلاً يحزنون به انفسهم، ويستبشرون به دواء دائهم، فاذا مروا بآية فيها تشويق ركنوا اليها طمعاً وتطلعت نفوسهم إليها شوقاً، وظنوا انها نصب اعينهم، واذا مروا بآية فيها تخويف اصغوا إليها مسامع قلوبهم وظنوا ان زفير جهنم وشهيقها في اصول آذانهم فهم حانون على اوساطهم مفترشون لجباههم واكفهم وركبهم، واطراف اقدامهم يطلبون إلى الله تعالى في فكاك رقابهم، أما النهار فحلماء علماء ابرار اتقياء، قد براهم الخوف برى القداح، ينظر اليهم الناظر، فيحسبهم مرضى وما بالقوم من مرض، ويقول قد خولطوا وقد خالطهم أمر