في تفسير النيسابوري عند قوله تعالى:" وهو الذي يقبل التوبة عن عباده " ما صورته قيل علامة قبول التوبة هجران إخوان السوء وقرناء الشر ومجانبة البقعة التي باشر فيها الذنوب والخطايا، وإن يبدل بإخوان إخواناً، وبالأخدان أخداناً والبقعة بقعة، ثم يكثر الندامة والبكاء على ما سلف منه، والأسف على ما ضيع من أيامه، ولا يفارقه حسرة ما فرط وهمل في البطلات، ويرى نفسه مستحقة لكل عذاب وسخط.
[خطبة النبي صلى الله عليه وسلم]
قال سيد المرسلين، وأشرف الأولين والآخرين صلوات الله عليه وآله أجمعين في خطبة خطبها وهو على ناقته العضباء.
أيها الناس كأن الموت فيها على غيرنا كتب، وكأن الحق على غيرنا وجب، وكأن الذي يشيع من الأموات سفر عما قليل إلينا راجعون، نبوئهم أجداثهم، ونأكل تراثهم كأنا مخلدون بعدهم قد نسينا كل واعظة، وأمنا كل حائجة، طوبى لمن أنفق ما اكتسبه من غير معصية، وجالس أهل الفقه والحكمة، وخالف أهل الذل والمسكنة، طوبى لمن ذلت نفسه، وحسنت خليقته، وصلحت سريرته، وعزل عن الناس شره، طوبى لمن أنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من قوله، ووسعته السنة، ولم تستهوه البدعة.
بسط الكلام مع الأحباب مطلوب وإطالة سمعه معهم أمر مرغوب، على أن القرب من الحبيب يبسط اللسان، وينشط الجنان، وعلى هذا المنوال جري قول موسى على نبينا وعليه السلام:" هي عصاي " الآية، ولبعضهم هنا سؤال، هو أن تكليم العبد للرب سبحانه ميسر كل وقت لكل واحد، كما في الدعاء ونحوه، فإنه أقرب إلينا من حبل الوريد وأما العكس؛ فهو منال عزيز لا يفوز به إلا صفوة الصفوة، فكان ينبغي لموسى أن لا يطيل الكلام، بل يختصر فيه، ويسكت ليفوز بسماع الكلام مرة اخرى، فإنه أعظم اللذتين كما عرفت. والجواب: أن تكليم موسى للحق جلا وعلا في ذلك الوقت، ليس من قبل التكليم الميسر كل وقت، لأنه جواب عن سؤاله تعالى ومكالمة له سبحانه كما يتكلم جليس الملك مع الملك وفرق بين تكليم الجليس للملك، وبين سماع الملك كلام شخص محجوب عن بساط القرب يصيح خارج الباب؛ وهذا هو الميسر لكل أحد، على أن موسى عليه السلام لم يكن على يقين من أنه إن اختصر وسكت، فاز بالمخاطبة مرة اخرى، ألا ترى كيف أجمل في آخر كلامه بقوله " ولي فيها مآرب آخرى "، لرجاء أن يسأل عن تلك المآرب فيبسط الكرم مرة اخرى