ولا يبعد أن يكون عليه السلام قد فهم أن سؤال الحق تعالى له إنما هو لمحض رفع الدهشة عنه، فأخذ يجري في كلامه مظهر ارتفاع الدهشة أو أن السؤال إنما هو لتقريره على أنها عصا، كمن يريد تعجب الحاضرين من قلب النحاس ذهباً، فيقول: ما هذا فيقول: نحاس فيخرجه لهم ذهباً، فأخذ موسى في ذكر خواص العصا لتأكيد الإقرار بأنها عصا، فيكون بسط الكلام لهذا أيضاً لا للإستلذاذ وحده، كما هو مشهور.
استماح أعرابي خالد بن عبيد الله، وألح في سؤاله، وأطنب في الإبرام، فقال خالد: أعطوه بدرة يضعها في حرامه، فقال الأعرابي: واخرى لاستها يا سيدي لئلا تبقى فارغة، فضحك وأمر له بها أيضاً.
وأيضاً في شرح النهج لكمال الددين ابن ميثم، إن قلت: كيف يجوز تجاوز الإنسان في تفسير القرآن وقد قال صلى الله عليه وسلم: من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار، وفي النهي عن ذلك آثار كثيرة.
قلت: الجواب عنه من وجوه: الأول -: أنه معارض بقوله صلى الله عليه وسلم: إن للقرآن ظهراً وبطناً وحداً ومطلعاً، وبقول أمير المؤمنين علي عليه السلام: إلا أن يوتي الله عبداً فهماً في القرأن، ولو لم يكن سوى الترجمة المنقولة، فما فائدة ذلك الفهم؟ الثاني -: لو لم يكن غير المنقولة لاشتراط أن يكون مسموعاً من الرسول صلى الله عليه وآله، وذلك مما يصادف إلا في بعض القرآن، فأما ما يقوله ابن عباس وابن مسعود وغيرهم، من أنفسهم فينبغي أن لا يقبل ويقال: هو تفسير بالرأي.
الثالث -: أن الصحابة والمفسرين اختلفوا في تفسير بعض الآيات، وقالوا فيها أقاويل مختلفة لا يمكن الجمع بينها، وسماع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم محال، فكيف يكون الكل مسموعاً؟ الرابع - أنه صلى الله عليه وسلم دعا لابن عباس بذلك: فقال: " اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل، فإن كان التأويل مسموعاً كالتنزيل ومحفوظاً مثله، فلا معنى لتخصيص ابن عباس بذلك.
الخامس: قوله تعالى: " لعلمه الذين يستنبطونه منهم "، فأثبت للعلماء استنباطاً، ومعلوم أنه وراء المسموع، فإذن الواجب أن يحمل النهي عن التفسير بالراي أحد معنيين: أحدهما - أن يكون لإنسان في شيءٍ رأي وله إليه ميل بطبعه، فيتأول القرآن على وفق طبعه ورأيه حتى لو لم يكن له ذلك الميل لما خطر ذلك التأويل بباله، سواء كان ذلك الرأي مقصداً صحيحاً؛ أو غير صحيح، وذلك كمن يدعو إلى مجاهدة القلب القاسي، فيستدل على تصحيح غرضه من القرآن بقوله تعالى: " إذهب إلى فرعون إنه طغى " ويشير إلى أن قلبه هو المراد بفرعون، كما يستعمله بعض الوعاظ تحسناً للكلام، وترغيباً للمستمع وهو ممنوع.
الثاني - أن يتسرع إلى تفسير القرآن بظاهر العربية من غير استظهاره بالسماع، والنقل