من كتاب تهافت الفلاسفة الأقوال الممكنة في أمر المعاد على خمسة، وقد ذهب إلى كل منها جماعة: الأول ثبوت المعاد الجسماني فقط وأن المعاد ليس إلا لهذا البدن وهو قول نفاة النفس الناطقة المجردة وهم أكثر أهل الإسلام، الثاني ثبوت المعاد الروحاني فقط، وهو قول الفلاسفة الإلهيين: الذي ذهبوا إلى أن الإنسان هو النفس الناطقة فقط وإنما البدن آلة تستعمل وتتصرف فيه لاستكمال جوهرها، الثالث ثبوت المعاد الروحاني والجسماني معاً وهو قول من أثبت النفس الناطقة المجردة من الإسلاميين كالإمام الغزالي والحكيم الراغب وكثير من المتصوفة، الرابع عدم ثبوت شيء منهما وهو قول القدماء والطبيعيين الذين لا يعتد بهم ولا بمذهبهم لا في الملة ولا في الفلسفة، الخامس التوقف وهو المنقول عن جالينوس، فقد نقل عنه أنه قال في مرضه الذي مات فيه إني ما علمت أن النفس هي المزاج فينعدم عند الموت فيستحيل إعادتها أو هي جوهر باق بعد فساد البدن فيمكن المعاد.
للشيخ الرئيس أبو علي بن سينا
هبطت إليك من المحل الأرفع ... ورقاء ذات تعزز وتمنع
محجوبة عن كل مقلة عارف ... وهي التي سفرت ولم تتبرقع
وصلت على كره إليك وربما ... كرهت فراقك فهي ذات تفجع
أنفت وما أنست فلما واصلت ... ألفت مجاورة الخراب البلقع
وأظنها نسيت عهوداً بالحمى ... ومنازلاً بفراقها لم تقنع
حتى إذا اتصلت بهاء هبوطها ... عن ميم مركزها بذات الأجرع
علقت بها ثاء الثقيل فأصبحت ... بين المعالم والطاول الخضع
تبكي وقد ذكرت عهوداً بالحمى ... بمدامع تهوى ولم تتقطع
وتظل ساجعة على الدمن التي ... درست بتكرار الرياح الأربع
إذ عاقها الشرك الكثيف وصدها ... قفص عن الأوج الفسيح المربع